المقابلة الأخيرة الضافية لسمو ولي العهد، حفظه الله ورعاه، وقبلها زيارته للمملكة المتحدة، وبعدها زيارته الحالية للولايات المتحدة، والنجاحات المتعاقبة لكل ذلك؛ دعاني إلى التأمل بعمق في العلاقة القديمة والمستقبلية، بين الإسلام والمسيحية، أو الشرق والغرب، والكتابة عنها؛ ولو ببعض اليسير من الحروف..

قديما تعاطف المسلمون مع الروم، عندما نشبت الحرب بينهم وبين الفرس، وكان تعاطف المشركين على العكس تماما؛ والسبب أن الفرس كانوا وثنيين مثلهم، وأن المسلمين والروم أهل كتاب، وحصل أن انتصر الفرس في البداية، ثم كانت الغلبة للروم بعد تسع سنوات، وقد سجل القرآن الكريم كل ذلك، ولست هنا بصدد تفاصيل العلاقات، لأن النظرة في مثل هكذا أمور ينبغي أن تكون مستقبلية، خاصة أن الواقع يوجب على كل عاقل مواجهة المخاطر، وتنمية العلاقات..

واضح تماما أن انعكاس أثر ما يجري في مكان ما في العالم، يمتد إلى أغلب العالم، أو كل ناحية فيه، وهو ما يجعلنا على قناعة تامة من أن الأمل في مستقبل آمن مرهون بالحوار الجاد، والتعاون التام، ولا سيما أن دعاة صراع وصدام الحضارات، الذين يريدون إفساد التقارب بين المسلمين والمسلمين، وبين المسلمين وغيرهم، دسوا رؤوسهم تحت التراب، (خوفا لا قناعة)، وهمهم المخفي كان وما زال؛ هو تحميل الآخرين التبعات، معتمدين في صنيعهم هذا على الاختلاف الطبيعي بين الثقافات والحضارات والأديان، مع أن التباين بينها ينبغي أن يكون دافعا لكل أمر إيجابي، ومانعا لأي تعميم سلبي، ورافضا لأي أحكام مسبقة، ومقويا لأي قواسم مشتركة، ومحترما لأي ثقافة أو عرف أو معتقد، ومؤكدا على أن من حق كل أمة، في الشرق أو الغرب، وفي الشمال أو الجنوب، أن تكون لها ثقافتها ومنظومتها الخاصة بها؛ وتخريب ذلك، والانحراف عنه يعني تزايد القلق والقلاقل في كل مكان، ولا يعني تمكين السلام في الكون..

عصرنا عصر تشابكت فيه المصالح، وتزايدت فيه المشكلات، وغالبية خلفيات هذه المشكلات دينية، مما يعني ضرورة الحوار بين الجميع، دون مناورات، ودون الرغبة في إلغاء طرف لطرف، ودون خوف أو توجس؛ وأن يكون الحوار عن الجوامع العامة، من مثل احترام الكرامات، ووحدة الجنس، والفهم المتبادل، والاعتراف بالتعدديات، وإن كانت في الأديان، ويكفيني في ذلك أن أذكر في خاتمة مقالي، نصين من جملة نصوص مؤيدة للحوار بين الأديان، وأتباعها، بل (وداعية إليه): الأول ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رسالة إلى أهل اليمن: «من كان على يهودية، أو نصرانية، فإنه لا يفتن عنها..»، والثاني ما كتبه أيضا، صلى الله عليه وسلم، إلى أهل نجران: «لنجران، وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي؛ على أنفسهم، وملتهم، وأرضيهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم، وألا يغيروا مما كانوا عليه، ولا يغيروا حقًّا من حقوقهم، ولا ملتهم، ولا يغيروا أسقفًا عن أسقفيته، ولا راهبًا من رهبانيته، ولا واقهًا من وقيهاه، وكل ما تحت أيديهم من قليل، أو كثير، وليس عليهم دنية، ولا دم جاهلية..»، رواهما الإمام البيهقي، وغيره.