في نقاشات مختلفة لها نفس المضمون، سواء مع المعلمين، المشرفين، أو حتى مسؤولين بوزارة التعليم، أنهم تقدموا بمقترحات لمشاريع مؤمنين أنها إن تحققت ستقوم بنقلة نوعية في نطاق عملهم. وإنهم بالفعل، بادروا واجتمعوا مع المسؤول لعرض الفكرة، واستبشروا خيرا بإعجاب المسؤول بمبادرتهم وتوجيه من يلزم لعمل اللازم، ولكن للأسف باتت حبيسة الأدراج لم تر النور. ولله الحمد، فقد رأيت تفاعل المسؤولين بالوزارة على اثنتين من الأفكار التي طرحتها في مقالات سابقة، ولكن مع الأسف إنها ما زالت في مرحلة الفكرة للآن.
هناك فجوة واضحة وواقعية بين متطلبات العامة وبين أجندة المسؤول. في المجالس العامة تسمع الحوارات حول المواضيع السياسية والتنفيذية التي تهم الشارع العام، وهي أنواع ومنها التي تتغلف في إطار سلبي بأن المسؤول لم يتخذ القرار الصائب أو ينفذ المشروع المؤثر، أو أنه لم يخط خطوة صحيحة. وقد تنتهي هذه الانتقادات بمقترح بـ«أني لو كنت مكان المسؤول» أو «المفترض على المسؤول أن يفعل كذا وكذا»، أو غير ذلك من الخواتيم الإيجابية لانتقاد ظاهره سلبي ومضمونه حب وانتماء للوطن ورغبة في العمل مع تيار الإصلاح. ولذلك نحتاج إلى توظيف آلية لاستقبال الأفكار بصورتها الإيجابية المبطنة أو الظاهرة والاستفادة من توثيق العلاقة مع الميدان حتى نوجه تركيزنا إلى الهدف الأساسي في خدمة الوطن والتعليم. وتحدث هذه الفجوة لسببين رئيسيين، تكامل الوعي والقدرة التنفيذية.
بالنسبة لتكامل الوعي، فالمقصود هو التكامل المعرفي من الطرفين، المسؤول ومقدم الفكرة. فكلما ارتبط المسؤول بالميدان كانت أفكاره وتوجهاته أقرب لتحقيق الأثر. وبالتأكيد، مع علو المنصب في الهيكل الإداري زادت المعرفة بأبعاد النظام من تعاميم وأنظمة وسياسات ورؤية وغير ذلك. وعلى النقيض فالوعي الموجود لدى موظف أو مسؤول بالميدان أقرب لما يدور بالواقع وتفاصيله، وأبعد عن توجهات النظام ومتطلباته. وكلا الأمرين من معرفة النظام والعمليات الميدانية ضروري لاعتماد التوجهات. وتكامل الوعي ضروري لتطبيق برامج واقعية ورفع مستوى الشراكة والثقة من الميدان.
أما بالنسبة للقدرة التنفيذية وزارة التعليم لديها عدد مهول من المبادرات والبرامج على مستويات مختلفة تكاد لا تحصر، ومن النادر أن تقترح فكرة أو مبادرة لا يعمل عليها فريق أو موجودة ضمن خطة، وهذا الأمر يؤثر على سمنة النظام ويضعف من مرونة التنفيذ التي تحقق آثارا إيجابية أكبر. والمقصود بالقدرة التنفيذية هي قوة الوزارة في تنفيذ المشاريع من خلال مكتب المشاريع أو غير ذلك، وهذا جانب ضعيف جدا لدى الوزارة. فمع وجود مبادرة لكل فكرة يمكن اقتراحها، ومع ضعف القدرة التنفيذية لدى الوزارة، فذلك يضع الإبداع في شلل فوري ينعكس بصورة انتقادات في كل اتجاه.
ضعف الوعي أو القدرة التنفيذي يؤثر سلبا على تكامل الأفكار والتشغيل بين المسؤول والميدان. ومع تكرار الميدان لتقديم مقترحات ينتهي بها المطاف في درج المسؤول، فتدريجيا ستخسر الوزارة طاقة بشرية أرادت تحقيق أثر بطريقة أو بأخرى وحسب قدراتها العلمية والتنفيذية.
في مقالتي «المعلمة نورة صانعة المبادرات» اقترحت أن يكون منبع جميع مبادرات الوزارة من الميدان، ثم تصعد تدريجيا عند تحقيق نتائجها وأهدافها وتقبل الميدان لها. وأقترح هنا أولا: تدريب مجموعة من منسوبي الوزارة في كل مكتب تعليم على إدارة المشاريع الاحترافية، وبناء نظام متكامل للمبادرات والمشاريع مرتبط بمؤشرات للأداء وخطط زمنية واضحة، وعلى أن يكون هذا النظام مرتبطا بجميع مكاتب التعليم لتبادل المعرفة وعدم تكرار الأخطاء من مكتب لآخر. ثانيا: توجيه كل مسؤول بالنزول للميدان وتبادل المعرفة، المسؤول يقدم خطط ومبادرات جهاز الوزارة والميدان يقدم تجاربه وخبرته التنفيذية. ثالثا: التوجيه بتقليص عدد المبادرات وتطبيق التوسع التدريجي للمبادرات بدءا بالمدرسة، مكتب التعليم، إدارة التعليم، وأخيرا على مستوى المملكة.