منذ أن بدأ الرحالة الغربيون في استكشاف ودراسة الثقافات المتعددة في جنوب الجزيرة العربية، كانت الفنون التقليدية من أهم ما لفت أنظارهم، فألفوا عنها كتبا عديدة، وأنجزوا من خلالها دراسات علمية وأكاديمية أكسبتهم شهرة واسعة، ومنهم الجيولوجي الأميركي «كارل تويتشل» والأكاديمي الفرنسي الشهير «تييري موجيه»، الذي درس فنون النقش والعمران في منطقة عسير، ليلخص ما توصل له في كتابه «الجزيرة العربية.. حديقة الرسامين»، الذي أصدرته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بترجمة الدكتور معجب الزهراني، بالقول: لا تأبه منطقة عسير الواقعة في جنوب السعودية التي تتمتع بتراث معماري وتجميلي فريد واستثنائي، للأفكار النمطية المسبقة التي تتراكم في مخيلة الغرب.. فأبنيتها الصخرية مزخرفة برسوم من حجر المرو، صممت وفق نماذج هندسية أو نباتية، تستقبل الزائر بواجهات مرقشة بمنتهى الروعة، وأحزمة متمازجة من الألوان الجريئة هذه التصاميم الخارجية ليست إلا غلافا يخفي في داخله مهرجانا من التصاميم متعددة الألوان، يغطي الجدران والسقوف والأبواب، وكأن بيوت عسير تلتهم الألوان بنهم، والفضل في ذلك يعود لنساء المنطقة اللواتي يزيّن بيوتهن بالعفوية التي يشدو بها البلبل الغريد.
جدارية نيويورك
في دراسته التي أنجزها موجيه عام 1995، برز فن «القَط العسيري» كأهم عنصر جمالي درسه موجيه بشكل علمي.
وعاد فن «القَط العسيري» لواجهة الاهتمام العالمي بعد اختياره ضمن التراث العالمي غير المادي، لدى اليونسكو.
ولعل الحدث الأهم في مسيرة هذا الفن هو عرض جدارية لـ«القَط» في الأمم المتحدة بنيويورك أواخر عام 2015، نفذتها 12 امرأة باسم «منزل أمهاتنا» بطول 18 مترا.
زخارف خارجية للرجال
على الرغم من ندرة الدراسات المحلية عن الفنون مثل «القَط» الذي لا يعرف تاريخا محددا لبداياته، إلا أن دراسةلأستاذ الآثار المساعد بجامعة الملك خالد الدكتور علي مرزوق، رصدت بعض المحددات الفنية، حيث يقول «في عسيرالتي تمتاز بغنى وثراء زخرفي، شغل إنسان المنطقة الواجهات والحوائط الداخلية لمبانيه بوحدات زخرفية جميلة، نابعة من معطيات بيئته وقائمة على الوحدات الهندسية المجردة والعناصر الزخرفية النباتية، والأشكال الرمزية المستمدة من النباتات والجمادات، محاولاً إيجاد علاقة تبادلية ما بين الزخارف الخارجية من المبنى، وزخارف الحوائط الداخلية، الخارجية يبدعها الرجال، بينما تنقش النساء ما بداخل المنزل».
ألوان القطاطة
عن طبيعة الألوان المستخدمة في «القَط العسيري» يقول مرزوق «الفنانة الشعبية (القطاطة) في عسير كانت تتعامل مع ثلاثة أنواع: هي الألوان المستخلصة من مساحيق الأحجار الكلسية، أو من الطينات الملونة، أو من بعض النباتات والثمار، وهذه الألوان الطبيعية تقوم بتحضيرها بنفسها، وذلك بإضافة المواد المثبتة والملمعة إليها، والنوع الثاني ألوان جاهزة الصنع على شكل مساحيق (بودرة) كانت تستورد من الدول المجاورة، أما النوع الثالث فهي الألوان الزيتية مع ملاحظة أن هذا النوع من الألوان الحديثة لم يستعمل إلا في وقت قريب، وتعاملت القطاطة مع الألوان الأساسية «الأحمر والأصفر والأزرق» بشكل رئيس، إضافة إلى الألوان الثنائية مثل الأخضر والبرتقالي. أما الألوان الثلاثية فاستخدمتها في الوقت الحاضر، فبعد أن عرفت الفنانة الشعبية فاطمة أبو قحاص تقنيات الألوان وعمليات المزج والتركيب اللوني استخدمت الألوان الثلاثية و(الدرجات الظلية)، للحصول على ألوان متعددة، كما أظهرت قدرتها الفنية في توزيع الألوان بشكل متناسق».
في تحليله للألوان في «القط» يرى الباحث « موجيه» أن استخدام الصبغات الطبيعية الأصل المعدني والنباتي ومحدودية الألوان في النقوش القديمة، فرضته محدودية الصبغات محلياً، مشيرا إلى أن المادة كانت تطحن حتى تصبح مسحوقاً ناعماً على رحى من الحجر (مطحنة)، وهذه الألوان كلها كانت تستخدم كما هي دون أن تخلط بألوان أخرى لتصمد قرابة خمسين عاماً.
«القَط»:
فن تزيين جدران المنازل في منطقة عسير منذ مئات السنين
يعتمد على الزخارف الهندسية التي تستوحي أبعادها ودلالاتها من البيئة وألوان الطبيعة
«القَط» في المعاجم تعني «خَط» أو «نحت» أو «قطع»
11 مفردة بصرية:
لفن «القط» مفردات بصرية يقسمها الباحث علي مغاوي إلى 10 أنواع:
01 «البنات» طابع فني يرمز إلى الأنثى
02 «الأرياش» على شكل نباتات
03 «المحاريب» ترمز للبعد الديني
04 «الركون» أشكال مثلثة كبيرة متجاورة
05 «البلسن» دوائر صغيرة ومنقوطة
06 «الأمشاط» خطوط متوازية تتجه إلى الأعلى أو الأسفل «التعذيق»
07 «المثالث والمخامس» ثلاثة خطوط أو خمسة متوازية تأتي في أسفل النقش كفاتحة له
08 «الكف» خطوط متوازية مختلفة الألوان في أسفل جدار الغرفة «الشبكة»
09 «التعذيق» ثلاث نقاط تشبه عذوق الذرة
10 «الشبكة»رمز يتشكل من معينات ومربعات متداخلة تأخذ لونا موحدا
أبرز رائدات «القط»:
جحاحة بنت بريدي
فاطمة بنت امسباع
آمنة بنت محمد بن هادي
فاطمة بنت محمد الزهر
شريفة بنت أحمد الألمعي
فاطمة بنت علي أبوقحاص
الأنماط الزخرفية بحسب الأقاليم
الزخارف الشعبية في السهل التهامي
الزخارف الشعبية في الأصدار
الزخارف الشعبية في مرتفعات السراة
الزخارف الشعبية في الهضاب الداخلية
خلال العقد الأخير ارتبط فن «القط» بالجانب السياحي في عسير، حيث أعيد لذاكرة المجتمع من خلال لوحات جدارية نفذتها سيدات اشتهرن بهذا الفن في بعض المواقع
تطور الاهتمام إلى تنظيم دورات فنية متخصصة شاركت فيها عشرات الفتيات المهتمات بالفنون