يعيش النظام الإيراني إحدى أبرز المراحل الحرجة في تاريخه منذ انتصار الثورة واختطاف الملالي لها قبل أربعة عقود. كان النظام الإيراني طوال العقود الماضية يلعب على إستراتيجية واضحة مكشوفة لمتابعي الشأن الإيراني، هي إستراتيجية تصدير المشكلات والعزف على الخطر الخارجي في سبيل إجبار الداخل على الصمت، والكَفّ عن المطالبة بحقوقه المشروعة. لم يقيِّم النظام الإيراني هذه الإستراتيجية ويحدِّثها أو حتى يَقِيس مدى إمكانية نجاحها في كافة المراحل الزمنية، لذا كانت المفاجأة الصادمة للنظام الإيراني مع نهاية العام الميلادي الماضي 2017 وبداية العام الحالي عندما اتجه الشباب الإيراني من الطبقة الفقيرة والمُعدَمة في أطراف جغرافيا إيران وعمقها، إلى الشارع للمطالبة بحقوق معيشية بسيطة ومشروعة، تتمثل في تحسين المستوى المعيشي ومحاربة الفقر والبطالة التي أثقلت كاهل الأسر الإيرانية حتى أصبح أكثر من ثلثي الشعب يعيش تحت خط الفقر، وفِي المقابل ينفق النظام بسخاء على الميليشيات والجماعات المسلَّحة في المنطقة، وينشر الدمار والخراب في عدة دول، تحت مزاعم حماية الأمن القومي الإيراني.
هذه الشعارات تجاوزها المواطن الإيراني وكشف عوارها، ولَم تعُد تخدعه كثيرًا حتى تلك الفئة المتنفِّعة من النظام، ممَّا أدَّى إلى تآكل الحاضنة الشعبية له في كثير من المدن والقرى، وعلى رأسها قم ومشهد وطهران وأصفهان وغيرها.
الخطر الأكبر الذي يواجهه النظام الإيراني داخليًّا، ولا يزال يكابر أمامه، هو عدم مبالاة المجتمع الإيراني، بخاصة فئة الشباب التي وُلدت وترعرعت في أجواء أدبيات الثورة وثوابتها ومنهجها الفكري والثقافي، فمن يرصد بدِقَّةٍ موقف الشباب الإيراني من تلك الأدبيات التي تجاوزها العصر، وسخطه منها لا سيما أنه يعيش في عصر الثورة المعلوماتية وعالَم مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يتابع ما يدور في محيطه الجغرافي، يدرك يقينًا أن النظام الإيراني لم يعُد قادرًا على ممارسة الوصاية على الشعب الإيراني بالأسلوب القديم، وفِي الوقت ذاته يخشى من أي تحديث قد يقود إلى تساقط أحجار دومينو النظام داخليًّا وخارجيًّا، لذا يراهن حاليًّا على اللعب على الوقت ومحاولة خلق بعض الأزمات المصطنَعة في الداخل لشَغْل الشباب الغاضب وتشتيت تركيزه.
إلى جانب هذه الإشكالية الداخلية يواجه النظام الإيراني صعوبات خارجية على المستويات الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وتَهاوي أحلام عائدات الاتِّفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، بخاصة أن الإدارة الأميركية تبدو عازمة على إجراء تعديلات جوهرية على الاتِّفاق أو الانسحاب منه تمامًا، كما أن الدول الأوروبية بدأت تعبِّر عن امتعاضها من تطوير طهران صواريخها الباليستية، وتطالب بفرض عقوبات صارمة عليها.
إقليميًّا، تعيش طهران حالة من الأزمات اللامتناهية مع محيطها الجغرافي، وتواجه خسائر كبيرة في سورية واليمن، وتخشى كثيرًا من نزعة استقلالية عن سياسة إيران في كل مِن العراق ولبنان، وهذا إن حدث ولو بالتدريج وببطء، فسوف يكون بمثابة ضربة قاضية للعربدة الإيرانية في المنطقة. الأهَمّ ألا تتخذ القوى العالمية خطوات غير مدروسة بشكل جيد قد تقود إلى إثارة الروح القومية في المجتمع الإيراني، بما يؤدِّي إلى الالتفاف حول النظام، الأمر الذي سيمثِّل عملية إنعاش مجانية لنظام الملالي وإنقاذ لشرعيته في الداخل.
خلاصة الأمر، أننا مُقبِلون على مرحلة مختلفة وإعادة هيكلة شبه كاملة لتوازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط، وتلعب السعودية دورًا بارزًا في ذلك في ظلّ التحرُّكات الكبيرة التي يقوم بها وليّ العهد السعودي وكشفه للعبث الإيراني في المنطقة طوال العقود الماضية، ومطالبته دول العالَم بالتصدِّي بكل حزم لهذا السلوك العدائي لنظام الملالي، وإنقاذ المنطقة من آفتَي الإرهاب والطائفية اللتين تتغذيان على إيديولوجيا نظام ولاية الفقيه وسياساته، ويلعب الحرس الثوري والميليشيات والمرتزقة المرتبطون به الدور الأبرز في ذلك، وإذا كان العالم قد صمت طويلا عن هذا النهج سابقا فإنه أصبح واضحا أننا دخلنا مرحلة مختلفة في هذا الصدد، لكن علينا ألا نستعجل النتائج.