من المتقرر في الكتاب والسنة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإسلام، وأصل من أصول الدين، به يظهر الخير ويعم، ويختفي الباطل ويضمحل، ولقد فرق الله بين المؤمنين والمنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدل ذلك على أن أخص صفات المؤمنين قيامهم به، فقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وذكر قبلها: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف)، وقد حازت هذه الأمة المحمدية الشرف والخيرية على الأمم الماضية بهذه الخصلة الشريفة، كما قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).

وهو من أسباب النصر كما قال تعالى (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

فهو واجب على أهل الإيمان، وهو من مهام الدولة المسلمة، وواجباتها، ومن توفيق الله لبلادنا السعودية أن أولت هذا الواجب الشرعي الرعاية والعناية، ففي المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم ما يلي: (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله)، وهذه العناية إحدى الفضائل التي اختص الله بها بلادنا، إذ لا يوجد ذلك في أي دستور من دساتير العالم فيما أعلم، ولذلك خصصت الدولة جهازا مهما باسم (الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، يقوم بواجبات شرعية عظيمة، وجهوده محل التقدير، وأما التجاوزات الفردية فلا يخلو منها هذا القطاع، ولا غيره من القطاعات الخدمية، كالصحة والتعليم والنقل والبلدية ونحوها، لكن تلك التجاوزات الفردية تعالج، ولا تقلل من الأهداف العظيمة، والجهود النافعة، التي تقوم بها تلك القطاعات.

ومما ينبغي التوكيد عليه أمران:

الأول: أن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس خاصا بجهازٍ معين، فمكافحة المخدرات تقوم بالنهي عن المنكر، ومكافحة الفساد والتزوير تقوم بالنهي عن المنكر، وجهاز أمن الدولة يقوم بالمعروف (وهو ترسيخ الأمن)، ويقوم بالنهي عن المنكر (وهو منع ما يعكر صفو أمن المسلمين)، والتعليم والدعوة إلى الله هو أيضا من المعروف الذي يحبه الله ورسوله، وما تقوم به البلديات من تعبيد الطرق وإضاءة الشوارع، وإماطة الأذى عن الطريق، يعد معروفا عظيما، وشعبة من شعب الإيمان، وهكذا ما تقوم به وزارة الصحة من معالجة المرضى، والقيام بخدمتهم، هذه أمثلة وإلا فكثير من قطاعات الدولة تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جنبا إلى جنب مع هذا القطاع المهم (رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فلا ينبغي أن نحجر واسعا، ونحصر القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجهة واحدة، بل كلها مهمة ولا يستغنى عن شيء منها، وهكذا فإن أمراء المناطق والوزراء الذين يشرفون على هذه الخدمات العظيمة، التي تنفع البلاد والعباد، هم أول الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر.

الثاني: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له معنى عند أهل السنة والجماعة، وله معنى عند المعتزلة وبعض الفرق الضالة، فمعناه عند المعتزلة: الخروج على الحكام، ومنابذتهم، بل هذا أحد أصولهم الخمسة.

فهم يتخذون من وجود أي منكر سلما للطعن في ولاتهم، وتهييج الناس عليهم، وملء القلوب حقدا عليهم، وبالتالي الخروج عليهم، باسم إنكار المنكر، والواقع أن ما يفعلونه من تهييج وإثارة هو المنكر لو كانوا يعقلون.

فالحذر الحذر من هذا المسلك الوخيم، وإنما الطريقة المتبعة عند أهل السنة والجماعة أن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه وأسرته، فلا يظهر نفسه بمظهر المنقذ، وهو غارق في الذنوب والمنكر، وإنما عليه أن ينقذ نفسه أولا، قال تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال: كنت آمركم بالمعروف، ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر، وآتيه).

ثم بعد ذلك عليه تحذير الناس من الوقوع فيما يسخط الله من المنكرات كالزنا والخمر والربا وغيرها، دون ذكر الفاعل، ويكون ذلك بعلم ورفق وحلم، وأما الطريقة الشرعية في مناصحة ولاة الأمور فقد بينها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه)، فإذا بين له ذلك عند مقابلته إن تمكن، أو الكتابة الخاصة له، دون نشر ذلك، أو إعلام الناس أنه كتب وقال وفعل، فقد برئت ذمته، إن كان قصده الله والدار الآخرة، وأما من أراد الشهرة والإثارة، فقد خاب وخسر، فنسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين للفقه في الدين، والعمل بسنة سيد المرسلين.