??زيارة سمو ولي العهد التي بدأت أمس لواشنطن تأتي في وقت تشهد العلاقات بين البلدين طفرة حقيقية، تصل إلى حد التوافق التام في العديد من الملفات الدولية المهمة، ابتداء من المسألة الإيرانية ومرورا بالوضع في اليمن والأزمة السورية، وانتهاء بالتعاون الثنائي بين البلدين في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، إلى جانب مناقشة الدور الذي يمكن للمملكة أن تقوم به من أجل تفعيل عملية السلام، وإيجاد حل شامل ودائم للشعب الفلسطيني.
زيارة الأمير محمد اكتسبت في واشنطن خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة زخما ملحوظا واهتماما ربما لم يشهده زعيم عربي منذ سنوات، فقد ركز العديد من وسائل الإعلام عملها على محاولة التكهن بمخرجات اللقاءات التي سيجريها ولي العهد مع الرئيس ترمب ومسؤولي الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى جانب مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع، كما دأب مركز البحوث الذي يناقش بشكل مستمر أهم القضايا التي تحرك السياسة الأميركية والدولية على التعاطي مع التغييرات التي أوجدها الأمير محمد في الداخل السعودي، ومعنى ذلك على محيط المملكة العربي والإسلامي، إلى جانب دور المملكة كلاعب رئيسي في السياسة الدولية، خصوصا في المسائل التي تتعلق بالأمن الدولي واستقرار منطقة الشرق الأوسط، خصوصا مع تزايد التنمر والتهديد الإيراني والقلاقل التي خلقتها في العديد من دول المنطقة.
لا شك أن توقيت بث اللقاء الحصري الذي أجرته قناة CBS مع سمو ولي العهد، وبث قبل يومين فقط من وصوله، كان له دور كبير في إيصال الصوت السعودي بهيئته الحديثة للشارع والناخب الأميركي، حيث ظهرت المملكة من خلال كلام سمو الأمير واللقاءات الجانبية مع عدد من المسؤولين والمواطنين بصورة تعكس الواقع الجديد الذي تعيشه بلادنا بشكلها التقدمي والمتحضر والمنفتح على العالم، وقدرتها على إدارة العمل من أجل إزالة كل الشوائب التي مرت بها بلادنا منذ عام 1979، كما أن المواقف السياسية للمملكة في المسائل الشائكة كان الموقف منها واضحا دون الركون للغة التي تحتمل التفاسير، فإيران بالنسبة للمملكة اليوم دولة تعمل على التمدد والتوسع وبسط النفوذ، والمملكة لا تقف مكتوفة الأيدي، بل ستعمل على مواجهة هذا التمدد بكل الوسائل، ومساندتنا للشرعية في اليمن امتداد لموقف المملكة الداعم للجيرة العربية الرافضة للتدخل الإيراني في الشأن العربي.
تأتي زيارة الأمير محمد لأميركا مع وفد وزاري عالي المستوى يقام على هامشه العديد من الفعاليات، منها ما هو بتنظيم سعودي، ومنها الآخر ما هو بتنظيم أميركي، كما أن توقيت الزيارة يأتي في وقت تشهد الخارجية الأميركية قدوم وزير جديد «مايك بومبيو»، والذي تم تعيينه مؤخرا بدلا من «ريكس تيلرسون» الذي ليس خافيا أنه كان لا يقوم بالضرورة بدور الوسيط المعتدل فيما يتعلق بالقضايا التي كانت المملكة فيها طرفا، في حين أن بومبيو وهو القادم من كرسي رئاسة جهاز الاستخبارات الأميركية يعلم علم اليقين أهمية وخطورة الملفات التي يشهدها العالم، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، فمحاربة الإرهاب في العالم لا يمكن لها أن تحقق النجاح دون أن تكون المملكة لاعبا أساسيا في عملية التخطيط واتخاذ القرار، ومواجهة إيران وتمددها في المنطقة لا يمكن إيقافه إلى جانب مشروعاتها الصاروخية والنووية دون أن تكون المملكة هي الشريك الأول لمثل هذه الجهود، خصوصا أنها الثقل الحقيقي للعالم الإسلامي، والضامن الأمثل للاستقرار الأمني للمنطقة، وهي حقائق يعلمها جميعها وزير الخارجية الأميركي الجديد الذي سيعمل مع المملكة خلال الأشهر القادمة على إعادة العمل بالنهج الذي وضعته الإدارة الأميركية وحكومة المملكة.
من أكثر الأمور تميزا في طبيعة العلاقة بين المملكة وأميركا اليوم هو أن هناك اتفاقا واضحا على دورهما في منظومة العمل السياسي دوليا، كما أن هناك تفاهما على أهمية تنمية المصالح المشتركة بين البلدين، إضافة إلى قناعة الطرفين بأهمية أن يكون كل طرف قريبا من الآخر رسميا وشعبيا، فالتبادل الثقافي والاجتماعي بين البلدين يعد من أهم محفزات التوافق على المدى القريب والبعيد، إلى جانب أهمية تفهم الاختلاف بين الثقافتين والعمل باحترام على خلق تقارب يقبل به الجميع.