نواف كايد



دعونا هذه المرة نقدم اليقين القاطع على الشكوك المزعجة التي تستهوي مخيلة كثير من الناس على مستوى الواقع الفكري والنفسي، والتوقف عند بعض العنتريات المنبرية التي تضطرنا للذهاب إلى أبعد مما نرى، والوقوف عند النقطة الثابتة التي تمكننا من الاختلاف والاتفاق حولها، بعيداً عن الأساليب الغامضة وتمجيدها، والتناقضات المتخلخلة في أعماق المجتمع التي تدرّ كثيراً من المغانم الإعلامية على أصحابها.

فحينما يظهر شخص بحجم الشخصية المفضلة والمؤثرة نفسياً وطبياً لدى كثيرين من خلف الستارة البيضاء، ويستعرض عضلاته الفكرية والفلسفية في ترويض العوامل النفسية، وخلط العواطف الغرائزية بالحاجات الإنسانية، ودغدغة المشاعر الساخنة لدى الناس ببعض القرائن والدلائل العقائدية الضعيفة، والتحدث عن واقع مفارق ومغاير لواقعنا الفطري الصحيح، وتغليفه بالفلسفة العلمية الجوفاء التي تتسلق على حائط الأجواء النرجسية والخيالية، وإرغام الجميع على سماع أفكاره المحدثة والمكتشفة حديثاً، والتي تفتقد الكثير من النضج والواقعية، فإننا نقف مضطرين ومجبرين أمام هذه الأفكار الغامرة والمشاهدات الموجعة التي يتألم منها القلب وجعاً، والتي لا تعطي معنى ولا منجزا علميا حقيقيا يستحق الاعتزاز والفخر، ولا منفعة دينية وثقافية يستفيد منها الآخرون استفادة كاملة في حياتهم وصحتهم.

إنما هي مجرد انعكاسات هامشيه مليئة بالمشاهدات الدرامية الغريبة والمشوقة، التي أصبح التمرس عليها أمراً اعتياديا يمارسه كثيرون هذه الأيام، ويستند فيه إلى بعض المفاهيم الوهمية التي لا قيمة لها، كي ينشر حولها اعتقاداته الشخصية التي يعتريها كثير من الشوائب الفكرية.

فمن هنا يمكن أن ينشأ الفضول لدينا عندما نستقصي الحكمة من وراء هذه الأفكار الناشئة والمنعزلة وحيداً عن الواقع، والتي ترفضها الفطرة البشرية السليمة، فالسيد المغمور قرر اللعب على الوتر الأشد سخونة، وربط منجزات ما توصل إليه أخيراً في مسيرته الطويلة إلى تعميق المتعة الفردية، وأنها تمارين شخصية ينصح بمزاولتها بانفراد وألا يلجأ إليها إلا في حالة الضرورة القصوى وفي أماكن معينة ومحدده مسبقاً، للتقليل من الأثر النفسي السيئ، وتفريغ الشحنات السلبية الزائدة والتخلص من التعقيدات العصبية والنفسية المحاصرة بالمعاناة والصراعات، في سبيل خلع النظريات القديمة المتهالكة وإحلال النظريات الحديثة والعقلانية محلها، مع أنها لا تمت إلى العقلانية العلمية بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وهذا ما يضعنا وجهاً لوجه أمام وجهات النظر البديلة بالأبحاث المعرفية والشرعية، التي من بينها ما هو صائب أو مقارب للصواب، لإثبات صحة هذا الاكتشاف الخارق الذي يخدم البشرية في تصورات صاحبنا المغمور، إلا أن الخلاف هنا قد يصبح خلافاً مزاجياً وليس خلافاً واقعياً، من طرف واحد لا يستند على دليل واضح أو مفهوم بيّن، فلا يمكننا الأخذ أو العمل بما لا نعتقد به، ومن الصعب الاستسلام لهذه القناعات الشخصية المتشنجة التي تتسرب رائحتها إلى مجتمعنا الفاضل.