شاهدت لقاء الشاب عبدالرحمن بن جفين والشهير بـ«أبو جفين» على قناة روتانا خليجية في برنامجها «ياهلا»، وشاركت أيضا البرنامج هاتفيا بشأن كتابه المطروح في معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام والمسمى «تُوصون شي ولاّش» والذي أصبح قضية رأي عام.
حقيقة، لم يتسن لي الاطلاع على الكتاب لكون البرنامج عُرض في اليوم الأول للمعرض، وقد قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره، لكنني أتفق مع فكرة التأليف- المُجاز- كحق مشاع للجميع. وطالما أنّ الكتاب قد تم فسحه من الجهات المعنية، محليا، وفي الكويت- بلد الإصدار- الأمر الذي يعني أن الكتاب ليس فيه، على أقل تقدير، إسفاف أو محتوى هابط.
لفت نظري في اللقاء التلفزيوني مع الضيف- والذي رفض ذكر عمره - ويبدو أنه في الخامسة عشرة، امتلاكه الثقة العالية في الحديث والهدوء وممارسة لغة الجسد، وهذه الأخيرة، يفتقدها الكثير ومن ضمنهم مقدمو برامج وشخصيات ثقافية وأخرى اعتبارية.
وبالعودة للكتاب، فالملاحظ أن الهجمة عليه وعلى ومؤلفه بدأت قبيل افتتاح معرض الكتاب، مما يؤكد الاستباقية والحكم الغيابي قبل معرفة المحتوى مما يدعم فكرة الشخصنة، بحجة أن صاحبه صغير السن وبالتالي فهو لا يملك ثقافة ولا علما ولا محتوى يستحق النشر في كتاب.
السبب الآخر الذي يراه المنتقدون أن المؤلف مجرد شخص مشهور في وسائل التواصل، استغل شهرته في تصنيف كتاب، وبالتالي فإن المنتَج سيكون رديئا. والذي أراه أن تأليف الكتاب ليس كعمل محتوى سناب أو تويتر أو يوتيوب مما يعني أنه لن يكون، بالضرورة، بتلك السطحية التي تمارس في السوشيال ميديا.
شخصيا، لستُ مع تشجيع الفارغين وأصحاب المحتوى الهابط مما يعرض في السناب وتويتر وغيرهما من مشاهير
«الفلس والحمقى»، غير أن الكتابة أمر مختلف كما سلف، علاوة على فارق السن بين عبدالرحمن وغيره ممن يكبره سنا.
قبل ظهور الكتاب المذكور، وأنا أشاهد في الابن عبدالرحمن - من خلال ما يصلني من مقاطعه- براءة وعفوية ممزوجة برجولة مبكرة ربما لكثرة مجالسة الكبار من أهل التجربة والحكمة ونظم القصيد، الأمر الذي يُعد إيجابيا إلى حد كبير بدلا من مخالطة أصحاب الهياط والتفحيط والدرباوية وأنواع الفساد.
وكونه مشهورا يستغل شهرته للتأثير على جيله بنشر ثقافة القراءة واقتناء الكتب، يُعتبر هذا، بحد ذاته، إنجازا وخطوة رائعة. علينا ألا ننتظر من أبو جفين، ومن هم في عمره، أنهم سيكتبون كغازي القصيبي والغذامي، أو يتحدثون عن نظريات علمية، وبالتالي أرى أهمية الترحيب بهم وتحفيزهم وألا نحمّلهم أكبر من سنهم وطاقاتهم.
أخشى أن الهجوم على أبو جفين هو جزء من «بقايا» الهجوم على معرض الكتاب، تحديدا، وكان حظ أبو جفين أنه كبش فداء...
لقد عتبتُ كثيرا على أفراد من مجتمع سلطوا أقلامهم وألسنتهم، بغير موضوعية، على توجه عبدالرحمن، إلا أنني عتبت أكثر على مثقفين وكتّاب وقادة رأي كالأستاذ الكبير خالد السليمان والذي غرّد قبل افتتاح المعرض بيومين بقوله «مؤلم أن تقطع أشجار الغابات لتتحول إلى صفحات هذه الكتب»!
أخي خالد؛ تُقطع الأشجار لتتحول إلى بخور ودخان وهياط في مناسبات مبالغ فيها، لدرجة مشاهدتها كفوهة براكين أمام مداخل تلك المناسبات، وهي تختنق أيضا بمن داخلها. تقطع الأشجار لـشبة نار في أمسية سامجة وربما آثمة بـ الحش والنفاق ويُحتمل أكثر من ذلك! تقطع الأشجار لإشعال جحر ضب لاستخراجه ومثلها لطهيه ثم يرمى أكثره في طلعات برية. تقطع الأشجار لتغليف وجبات ساندويش يليها نفث باكيت سجائر أنفق على لفها غابات من الأشجار. فلماذا، فقط، تنزعج على صفحات من كتاب لابنك أبو جفين، الذي كان ينتظر منك وأمثالك عمالقة القلم والرأي الدعم والتحفيز. ما موقفنا لو رأيناه في الثمامة يستخدم الأشجار-التي أوجعنا تقطيعها لصفحات كتابه- وهو يقطعها لعمل رأس شيشة أو معسل بحجم الزبدية الكبيرة؟ هل سنكسّر مجاديفه أم نقول هذه حرية شخصية..!
أستاذي خالد؛ تعليقي هنا مبني على حبي لشخصك واهتمامي بما تكتبه وتقدمه في برامج حوارية مميزة، ولهذا أدعوك لأن تراجع موقفك وربما تعتذر لابني وابنك عبدالرحمن وتقف بجانبه، ليس بسبب مقالتي هذه، بل لفكرك الجميل وقدرتك على إعادة قراءة المشهد وشجاعتك المعهودة.
السؤال للجميع؛ أين نريد أن نذهب بشبابنا..؟! فنحن نهاجمهم في تضييع الأوقات والتفحيط والعربدة، ثم إذا جاء أحدهم يخطو خطوة نحو الطريق السليم، سلّطنا عليه سهامنا..! بصراحة، ربنا يعينهم علينا.