محمد آل عمر



يعاني المجتمع من بعض حالات الشقاق والخلاف الأسري، خاصة بين الآباء والأبناء. هذا الشقاق لم يعد حالة فردية، بل تطور حتى أصبح مشكلة تستدعي الدراسة والبحث، مع أن الشريعة الإسلامية حرصت أشد الحرص على بر الوالدين، إلا أن هناك أسبابا مختلفة؛ أدت إلى هذا الشقاق، منها ما هو متعلق بالأبناء، وأسباب متعلقة بالآباء. سأتناول في هذا المقال بعض الأسباب المتعلقة ببعض الآباء، وأثرها في بروز هذا الشقاق، مع التأكيد على حقهم في الرعاية والبر والإحسان، ومن هذه الأسباب:

1 - مخالفة الشارع الحكيم في مقاصد التعدد: ونقصد به التعدد الذي لا يفي بالشروط الشرعية من القيام بالنفقة، والعدل، والقدرة على تحمل تكاليف بناء أسرتين أو أكثر وما يتبعهما من حقوق مالية وتربوية نفسية؛ مما يجعل العائل لهما في صراع وشقاق مع إحدى هاتين الأسرتين، أو الإهمال الكامل للأبناء في إحدى الأسرتين، والقصور الذي يصل بإحدى الأسرتين إلى حالة من العوز يبرز الشقاق الكبير، ويجعل العائل في توتر وخلاف دائم مع أبناء إحدى أسرتيه للوفاء بمتطلباتهم الأسرية.

2 - الأمراض النفسية والعصبية: بعض الآباء يعاني من أمراض نفسية أو عصبية تؤثر على مستوى علاقاته سواء بأسرته، أو المحيطين به دون أن ينتبه لها أحد، أو تؤخذ بعين الاعتبار، مع أن حالته العقلية تعذره من الوصول إلى الحكمة، ومؤشر هذا المستوى هو العلاقات السوية أو غير السوية بينه وبين أبنائه والمحيطين به والمجتمع من حوله.

.هناك أيضا أمراض لا يمكن اكتشافها في الأشخاص العاديين، سواء كانت أمراضا عصبية نتيجة اختلال في الأعصاب بسبب أمراض، أو جلطات أصابت الجهاز العصبي، أو أمراض ذهانية نفسية تفقده الحكم الصحيح على الأشياء، ويصاب بهلاوس وأفكار متطرفة ومشتتة. وهذا بدوره يؤثر على مستوى جودة علاقته بالمحيطين به، ناهيك عن الحديث عن أثر السحر والشعوذة التي قد تستخدمه إحدى الزوجات، لعطف الزوج وحرمان الزوجة الأخرى وأبنائها، من حقوقهم الشرعية.

3 - المخدرات والمسكرات: تؤثر المخدرات والمسكرات على سلوك الأفراد بشكل عام، والدراسات تثبت الآثار النفسية للمخدرات، منها: انهيار العاطفة، وعدم الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والعائلية، كراهية العمل، اختلاط التفكير وسرعة الانفعال، غير تأثيراتها السلوكية كالخداع والغش، والكذب، والتزوير، والهلوسات السمعية، والبصرية،

أما الناحية الاجتماعية فتتأثر سلبا، حيث يتدهور وضع الأسرة الاقتصادي، خاصة الأسرة المرتبطة بموارد الأب المالية فقط؛ مما يضطر بعض أفراد الأسرة إلى انحرافات سلوكية خطيرة، أو يمتهن أعمالا غير مشروعة بسب تخاذل العائل وانحرافه.

4 - التأديب الآثم: وهذا يشمل العدوان الجسدي العنيف بالحرق، والتعذيب بوضع الأغلال أو القتل، ويشمل أيضا الاستبداد والجفاء، وامتهان الكرامة الإنسانية بالتجريح العنيف، وعدم الإنصاف غير المبرر في معاملة الأبناء، سواء كان في العطاء أو الحب، أو القبول والرفض أو التأديب.

كل هذا يؤثر على مستوى جودة العلاقة بين الآباء والأبناء ويوجد نزاعات وتصدعات أسرية عميقة تؤدي إلى انهيار الكيان الأسري إذا لم يعالج الأمر بالحكمة والروية، ويتم التعريف بالحقوق والواجبات. ويبقى التأكيد قائما على حق الأب ووجوب بره ورعايته وطاعته بالمعروف والصبر واحتساب الأجر والثواب من الله عز وجل.