نايف الفيفي
ما بين وسوم تتنوع مفرداتها وهدفها واحد، ومقالات تكتب بأقلام الألم والمعاناة، ومقاطع تصف الألم صوتًا وصورة، يقف الحالم الحائر ليبحث عن أحلامه الضائعة التي سعى كثيرًا لتحقيقها، وعندما حان وقت حصادها حُرم منها بدون عذر مقنع أو سبب يذكر.
رغم كل ما يواجهه الكفيف في مسيرته التعليمية من عقبات كالمباني غير المهيأة والخدمات الناقصة والأدوات غير المتوفرة والمعلمين غير المتخصصين ونظرة المجتمع القاصرة وتعامله المقيد، إلا أنه سعى واجتهد وتفوق رافضًا الاستسلام لظروف الحياة وبيئة مجتمعه غير المناسبة. وبعد سنوات من الجد والاجتهاد تخرج بمسمى جامعي وبأفضل المعدلات وأعلاها ليُصدم بحرمانه من حقه بالتوظيف دون سبب مقبول أو مقنع.
المؤلم حقًا أن معظم برامج الدمج تعاني العجز أو يعمل بها معلمون غير مؤهلين، لتتساوى معاناة الطالب والخريج في معادلة القهر والظلم والإجحاف.
وبالرغم من رفضي التام لفكرة حصر الكفيف في الدعوة والتدريس وإبعاده عن ممارسة بقية المهن والوظائف، إلا أن المعطيات كلها تنص على أهمية توظيف أكبر عدد من المكفوفين في قطاع التعليم لعدة أسباب، أهمها، أن معظم الجامعات لا تتيح للكفيف سوى تخصصات تربوية، ولا تسمح له بالتوظف في غير التعليم، كما أن نظرة المجتمع القاصرة ووعيه المحدود بقدرات واحتياجات الكفيف يقفان حائلًا بينه وبين معظم الوظائف في القطاع الخاص والحكومي، إلى جانب الحاجة الملحة لمعلمين ذوي معرفة وخبرة في مُعظم البرامج ومدارس الدمج.
كما أنه يجدر بنا في ظل التقدم والتطور في كل الجوانب أن نزداد وعيًا وإدراكًا بقدرات الكفيف وغيره من ذوي الإعاقة، وأن نعمل على إتاحة المزيد من الفرص له ليستطيع النهوض والارتقاء بنفسه وبوطنه، وليس بتقليص ما أتيح له من فرص وهضم المزيد من الحقوق المكفولة له.
ورسالتي التي سأقدمها قبل أن أختم هذه المقالة، أوجهها إلى كل كفيف بذل الكثير من وقته وجهده في سبيل المطالبة بأحد حقوقه الغائبة وأحلامه الضائعة ومضمونها:
استمر بالنداء حتى ولو شعرت بأن صوتك لا يصل لمسامع أحد، وإياك أن تدع لليأس فرصة لإيقافك عن الاستمرار في المحاولة والإقدام، فقضيتك لا تعنيك بمفردك فهي قضية أسرة تحاول جاهدة إلحاق ابنها الكفيف بالمدرسة ولا تجد سوى الرفض ردًا لمطلبها، بحجة عدم توفر معلم مختص، وقضية طالب تائه بين مقررات تدرس دون معلم ومعلم غير مؤهل لا يعرف عن طرق تدريسها أي شيء، وقضيتي أنا والكثير غيري من الطلاب المكفوفين، الذين يرجون ويتمنون أن تستطيعوا تغيير ذلك الواقع المؤلم والظالم، قبل أن نتجاوز سنوات الدراسة والتعليم إلى قائمة العاطلين بمراتب الشرف، ونصل إلى ما وصلتم إليه.
وختامًا أحب إيضاح أن ما تم طرحه في هذه المقالة، ليس إلا شيئا يسيرا مما يستحق أن يثار ويناقش عن هذه القضية وأبعادها العميقة، وما قد يترتب عليها من آثار سلبية على أطراف عدة، ولكن العبرة ليست في ما قد يكتب أو يقال، بل إنها تكمن في من يسمع ويشعر ويعمل بجد إلى الأفضل بصدق ويقين، بأن توظيف الكفيف حق أساسي وليس مبادرة إنسانية، وتهميشه وحرمانه من ذلك الحق إساءة يشمل تأثيرها السلبي المجتمع بأسره، ولا يقتصر على الخريج والفئة التي يُعنى توظيفه بخدمتها.