في بادرة جميلة يقدمها المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع السفارة البريطانية في الرياض، أطلق المجلس «جائزة الخريجين»، والتي تُعنى بخريجي الجامعات البريطانية، ومن ضمنهم طلابنا السعوديون والسعوديات. يقوم المجلس بالتواصل مع الخريجين، عبر قاعدة بيانات تصلهم من جامعاتهم البريطانية، لتمنحهم فرصة الترشح لنيل الجائزة. يشترط أن يكون المترشح حاصلاً على درجة علمية من بريطانيا وغادرها إلى وطنه أو أي بلد آخر، وكانت له مساهمات فاعلة في بلد الإقامة. بدأت بذرة الفكرة عام 2015، وتم تطبيقها في السعودية عام 2016، وفي فبراير الماضي أقيمت الاحتفالية الثالثة بحضور السفير البريطاني في الرياض ووزير بريطانيا لشؤون الشرق الأوسط..

غمرتني السعادة وأنا أشاهد الاستعراض لمنجزات بعض أبناء وبنات الوطن المتخرجين من الجامعات البريطانية التي تعد من أعرق الجامعات في العالم، وتحصد المراكز المتقدمة في الترتيب الأكاديمي العالمي. وبرغم أن الحفل -عادة- لا يستعرض سوى سيرة لبضعة مرشحين ومرشحات، إلا أن المشاهد تستوقفه تلك الإنجازات الوطنية -المفخرة- في مختلف المجالات العلمية أثناء تلقيهم الدراسة في المملكة المتحدة، وكذلك إنجازاتهم المميزة التي حققوها أيضا على مستوى مجالهم العملي بعد عودتهم إلى أرض المملكة العربية السعودية.

تُكرّم الجائزة المتميزين في مجالاتها الثلاثة، والتي خصصت لمجال ريادة الأعمال ومجال الإنجازات المهنية ومجال التأثير الاجتماعي، حيث يترشح 3 أشخاص من كل مجال، والذين هم خلاصة تصفيات نحو 120 ممن تقدموا لهذه الفعالية.

هذا العمل الذكي الذي يرعاه المجلس الثقافي البريطاني، وتحتضنه السفارة البريطانية في الرياض، له أبعاد جميلة في نفوس الطلبة والطالبات بسبب التقدير والرعاية الذي يوليه المجلس، وهو الممثل الثقافي للمملكة المتحدة لإنجازات خريجيها العلمية والعملية ومتابعة أثر تجربتهم في الإقامة والدراسة في بريطانيا، ونقل تلك الخبرات للحياة العملية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية.

ورغم أن المبادرة تسعى لأن تُظهر كيف أن دراسة هؤلاء في بريطانيا -تحديدا- كان لها الأثر على حياتهم المهنية، مما يترتب عليه مزيد إقبال على الدراسة في المملكة المتحدة غير أن الأمر ينعكس بظلاله، أيضا، على المرشحين والفائزين بالجوائز، إذ ستكون أمامهم فرصة ذهبية لإظهار سيرتهم الذاتية عالمياً، وتوسيع شبكة علاقاتهم الشخصية، مما يحقق تقدماً أكبر في حياتهم المهنية نظراً لانتشار خبر تكريمهم عبر القنوات الثقافية والإعلام البريطاني، وكذلك المحلية مما ينعكس، بدوره أيضا، على نهضة وتطور بلدنا.

تشير معلومات السفارة البريطانية، إلى أن السنوات العشر الأخيرة شهدت دراسة 100?,?000 سعودي وسعودية في بريطانيا، ويوجد منهم حالياً 15 ألف طالب وطالبة، سيعودون لأرض الوطن وسيكون من ضمن اهتماماتهم التطلع للحصول على إحدى تلك الجوائز الشرفية البريطانية، من خلال تحقيق إنجازات إبداعية على الصعيد المهني أو من خلال المبادرة في تأسيس أعمال شخصية وابتكار فرص أعمال خلاّقة، كذلك من خلال، تقديم مساهمات استثنائية في التغيير المجتمعي الإيجابي وتحسين نمط الحياة.

هذه المبادرة ليست خاصة بالطلبة السعوديين فحسب، وإنما يقيمها المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع سفاراتها في تسع دول أخرى إلا أن السعودية هي البلد العربي الوحيد ضمن قائمة تلك الدول، وعلمتُ أنه تمت إضافة مصر مؤخراً.

منذ حضوري للمناسبة الأولى عام 2016، وأنا أحدّث نفسي عن إمكانية تبني هذه الفكرة الخلاّقة في بلادنا، لا سيما أن لدينا معطيات عديدة ربما أكثر من ذلك بكثير. لدينا أعداد كبيرة من الطلبة غير السعوديين الذين يدرسون في الجامعات السعودية، ومن هؤلاء الناطقون بغير اللغة العربية. قرأت من جهة موثوقة أن 10?,?725 هو عدد الطلبة الأجانب الذين تم قبولهم في المنح الدراسية- داخليا وخارجيا- للعام الجامعي1436?/‏‏?1437 فضلا عمن يدرسون على حسابهم الخاص في جامعاتنا المحلية الأهلية. لدينا طلاب وطالبات تلقوا تعليمهم العام والجامعي والعالي في بلادنا، ومنهم من عاد-أو سيعود- لبلاده مؤثرا على المستوى العام والخاص وعلى مجتمع بلاده. كذلك، يوجد أكثر من 20 أكاديمية ومدرسة سعودية في الخارج احتضنت وتحتضن طلابا أجانب يعدون بالألوف. لدينا أيضا رجال أعمال أجانب وطاقات بشرية ماهرة أجنبية عملت وتعمل في بلادنا وسيعودون لبلادهم، فاعلين ناقلين تجربتهم في بلادنا. كل هذه الفئات ستخرج منها أعداد - قلّت أو كثرت - مؤثرة في أوطانهم، الأمر الذي يتطلب من وزارة التعليم والخارجية التواصل معهم وتكريمهم عبر الملحقيات الثقافية وتقديمهم لإعلامهم المحلي والإعلام الدولي لإبراز دور المملكة العربية السعودية في تكوين نجاحاتهم. تقدم هذه الفعالية من خلال حفل سنوي في سفاراتنا السعودية يضم أصحاب النخب المؤثرة في تلك البلاد والصحف والقنوات الإعلامية، يتخلله مؤتمر صحفي للفائزين بتلك الجوائز التقديرية على أن تكون في كل سنة أسماء جديدة مختلفة.

هذه ضمن القوى الناعمة الأجنبية الهائلة التي يتطلب منا الالتفات لها واستغلالها لمصلحة الوطن.