بشكل شبه يومي ترد إلى المدارس تعاميم تطالب بتفعيل بعض المناسبات والأيام العالمية، ويحتاج الأمر إلى إذاعة تستغرق ربع ساعة هي مدة الاصطفاف الصباحي، وعرض مرئي ومحاضرة وحوار مع الطالبات ومسابقات ومشاركات ومعرض، تستغرق في حال تنفيذها على الوجه المطلوب يوما دراسيا كاملا. مما يعني تعطيل الحصص وتأخير المنهج، الأمر الذي يخالف المنظومة التي تنص على ضرورة التزام المعلم بتوزيع المنهج بكل دقة.. ويخسر نقاط التقييم في حال تأخره حتى
لو بدرس واحد، وبالتالي لا يمكن الجمع بين الأمرين، لذا تكتفي المدارس بتقرير مصور لفعاليات لم تتم لأن الوقت والنظام المدرسي لا يسمحان، ويتم تكريم المدارس المتميزة، وفي الغد تأتي مناسبة جديدة وآلية تفعيل وتضطر المدرسة لعمل التقرير المصور، فيما يمضي اليوم الدراسي كما هو مرسوم له.
التجهيز فقط للتقرير والتصوير وإعداد الملف يستهلك الكثير من الوقت والجهد مع الخسائر المادية المتمثلة في الحبر والورق والملفات، مع متطلبات المعرض المزعوم من قماش وصمغ وفلين وأعلام وصور ونايلون وأمور كثيرة تعرفها مدارس البنات على وجه الخصوص.
المدرسة في هذه الحالة تقع بين أمرين أحلاهما مر.. إما أن تكذب، وإما أن تنفذ على أرض الواقع فتطيح باليوم الدراسي، والأمر الأول أقل ضررا خصوصا أن المدرسة قد تحظى بشهادة شكر من الإدارة التي غالبا ستحظى بشهادة من الوزارة على حسب عدد المدارس التي سوف تتفنن أكثر في التقارير المصورة.
وحتى في حال فوز المدرسة أو حصولها على شكر من أي جهة فإن قائد المدرسة وفريقه لن يكونوا سعداء جدا بهذا الإنجاز، بل سيشعرون بالخيبة والإحباط للأسباب التي ذكرتها أعلاه.
ومثلها تماما الشراكة المجتمعية مع مؤسسات المجتمع..حيث يطلب المسؤولون مشاريع كبيرة تنفذها المدرسة ويدعمها القطاع الخاص دون أن يفرقوا بين المدارس الكبرى في المدن الرئيسية، وبين مدرسة بائسة عدد طالباتها لا يتجاوز الأربعين وأحيانا أقل، فتضطر هذه المدارس - زيادة على بؤسها - إلى أن تعقد شراكات وهمية مع مؤسسات صغيرة يبحث أصحابها عمن يدعمهم.. ويعني الريال والريالان لهم الكثير، ويتفقان على كتابة عقد صوري يتم وضعه في الملف، وتتكفل المدرسة ببقية الأمر، حيث يتم تنفيذ مشاريع مدرسية برعاية الجهة الداعمة بينما هي في الحقيقة برعاية جيب المدير.
وتصرخ الوزارة ويردد المسؤولون والمشرفون الصدى:
يجب تحفيز الطلاب ماديا ودعم المتفوقين والموهوبين والمتميزين في جميع المناشط المدرسية، وهذا أمر حسن، لكن الميزانية الوزارية المخصصة لهذا الأمر لا تذكر، فيكون بعد الضرب والجمع والقسمة نصيب الطالب الواحد لا يزيد عن 10 ريالات أو أقل أحيانا، ولا أعلم ما هي الهدية التي يمكن تقديمها للطالب بهذا المبلغ الزهيد في زمن أصبحت المئة ريال لا تعني شيئا، فيضطر القائد إلى تكريم طالب واحد أو طالبين لكي تكون الجائزة في مستوى الحدث، بينما يوثق أنه كرم جميع الطلبة المتفوقين والموهوبين والمتميزين.
وعندما يزورك المشرف المختص فتبث له شكواك وتطلعه على حقيقة الأمر سيخبرك أن هذا هو حال الجميع، وأن القادة الناجحين - ما عداك- تجاوزوا المشكلة بطرقهم الخاصة، وواجهوا الصعوبات وتغلبوا عليها -باستثنائك-.
فتضطر إلى ابتلاع الخيبة، وتنهض مسرعا لعقد شراكة جديدة مع محل الفول الذي افتتحه ولدك العاطل في طرف القرية على حسابك الخاص.