انعكاس الرفاهية على المواطنين في أي ميزانية حكومية ينقسم إلى قسمين. الأول هو توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم ونحو ذلك. أما القسم الثاني فهو اتساع الاقتصاد بشكل عام، والذي ستولد معه فرص وظيفية جديدة للعاطلين أو المستجدين لطلب العمل.
هذا هو مفهوم الرفاهية الذي يأتي مرادفا كل عام مع الإعلان عن الميزانيات الحكومية كما أفهمه. في هذا الصدد أشار معالي وزير المالية في التصريح الذي أدلى به عقب الإعلان عن الميزانية الجديدة الضخمة للدولة للعام 2011م يوم أمس بقوله: "استمر التركيز في الميزانية للعام المالي القادم 1432 /1433هـ على المشاريع التنموية التي تعزز استمرارية النمو والتنمية طويلة الأجل، وبالتالي زيادة الفرص الوظيفية للمواطنين بمشيئة الله، حيث وزعت الاعتمادات المالية بشكل رُكّز فيه على قطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية، والمياه والصرف الصحي، والطرق، والتعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي". هذا التصريح مشابه إلى حد كبير للتصريح الذي أدلى به معاليه في أعقاب الإعلان عن الميزانية الماضية وأيضاً التي سبقتها. وهو على كل حال حديث مهم والإشارة إلى أهمية الفرص الوظيفية الجديدة أصبح متلازماً مع الإعلان عن الميزانيات في السنوات الأخيرة بعد أن أصبحت البطالة جزءا لا يتجزأ من الحديث عن التنمية في المملكة. كيف لا والميزانيات بل والدول بشكل عام تضع خلق هذه الفرص في سلم أولوياتها إذ إن البديل عنها هو البطالة وما تحمله من مؤشرات سلبية وخطيرة على المجتمعات وعلى استقرار الكيانات بشكل عام.
لهذا وبسبب أهمية العمل واتصال ذلك برفاهية الناس فإنني سأتابع مع معالي الوزير بتساؤل حول علاقة تنمية القطاعات التي أشار إليها بالفرص الوظيفية للمواطنين كما جاء في تصريح معاليه. ماذا يقصد وزير المالية تحديداً بهذه الجزئية الهامة، والتي تأتي مع كل إعلان لميزانية جديدة. أفهم على سبيل المثال وليس الحصر أن معاليه يشير إلى جزئية مشاريع التعليم وعلاقتها بالفرص الوظيفية وإلى تعليم الطلبة والطالبات ليستعدوا للدخول في سوق العمل. السؤال، هل يقصد سوق العمل في القطاع الخاص أم في القطاع الحكومي؟. وما هي التحديات التي تواجه خلق مثل هذه الفرص بشكل عام؟
الموضوع الآخر الذي يتطلب إيضاحا، والذي سينصف هذا الوزير وسينصف وزير التخطيط أيضاً وبقية الوزارات المعنية بالخدمات والمساعدة في خلق الفرص الوظيفية الجديدة في المملكة هو استعراض عدد الوظائف التي تمت إضافتها خلال العام المنصرم للمواطنين. كم كانت النتائج المحققة مقارنة بما كنا نطمح إليه؟ كم عدد الفرص التي ولدت نتيجة تنفيذ يعض هذه المشاريع الحكومية الضخمة في الميزانية السابقة؟. وأقصد تحديداً كم بلغ عددها كهدف كنا نسعى إلى تحقيقه قبل عام وهل تحققت بالكامل وأين تحققت؟ هل يوجد عجز في النجاح الذي كان متوقعاً لمواجهة البطالة؟ مع شرح الأسباب.
هذه متابعات بالغة الأهمية إذا أردنا أن نحقق التطلعات السامية الكريمة التي دائماً تتحدث عن ربط هذه الميزانيات برفاهية المواطنين. أقول ذلك لأن الدولة ـ حفظها الله ـ لم تعد قادرة بجهازها الحكومي على استيعاب الأعداد الجديدة من جيوش المتقدمين للعمل ذكورهم وإناثهم.
نجاح الدولة من اليوم سيعتمد على تشجيعها للقطاع الخاص على إكمال المشاريع التنموية الخدمية المتنوعة المنوطة به، وهي مشاريع لا يتسع المجال اليوم لتناولها. مثل هذه المشاريع هي التي ستخلق فرص العمل المأمولة، وهي التي ستهيئ المجتمع للانخراط في بناء دولته واقتصادها المتنوع بما يكفل استمراره بصلابة أمام المتغيرات المحتملة في أسعار النفط ومشتقاته. أما استمرار الدولة في الإنفاق فهو وإن كان مطلوباً في العديد من القطاعات إلا أن الخطورة المرافقة لهذا الإنفاق هي القدرة على صيانة هذه المشاريع الضخمة. فكما هو معروف لدى خبراء التطوير وإدارات المشاريع أن الصيانة تشكل تقريباً ما قيمته 10% من قيمة المشروع الأصلية هذا إذا كنا ننوي المحافظة على جودة المنشأة أو المستشفى أو المدرسة.
إن تنامي عدد المشاريع الحكومية الكبرى، وفي زمن قصير قد يسبب ضغطاً كبيراً على الميزانيات القادمة في بنود الصيانة والتشغيل حتى قبل أن تكتمل الاستفادة منها بالشكل المأمول. لهذا فعلينا التنبه إلى ذلك لأهميته.
في هذا الصدد، ما المشكلة في تنظيم ورش عمل لنخب معينة من القطاعين العام والخاص لمناقشة هذه الجزئيات الهامة مع دعوة خبراء ماليين معنيين في دراسة المشاريع وجدواها الاقتصادية ومدى الاستفادة منها مع وضع التصورات التي قد تساعد الدولة فيما بعد وعند الحاجة إلى القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها. مثل هذه الدراسات ستضعنا على أهبة الاستعداد لخصخصة الكثير من القطاعات مستقبلاً كالتعليم والصحة والطرق وغيرها.
اختتم بالتذكير بتساؤلات المواطنين البديهية والمهمة التي تتكرر في كل عام. ما انعكاسات هذه الميزانية على حياتهم وما الذي طرأ على أنماط السلوكيات لديهم. هل سترتفع مستويات المعيشة لديهم؟ هل ستتطور الخدمات الصحية في منطقتهم؟ هل سيتخلصون من مشاكل انقطاع المياه المتكرر؟ إنها أسئلة مشروعة بالطبع، وطمأنة المواطنين تتطلب أكثر من مجرد تصريحات. تتطلب العمل الشاق للتأكد من دقة التنفيذ في الأداء وقبل ذلك من الجدوى الحقيقية لهذا المشروع أو ذاك. وتتطلب في النهاية مراقبة صارمة تضمن عدم تغلغل الفساد والمتنفذين ومنح الانطباع القوي للمستفيدين (الشعب) من أن أموال الوطن بخير وأن القائمين عليها يخضعون للمراقبة الدقيقة المتمكنة والقادرة على إيقاف أي تلاعبات أو خروقات للمنفعة الشخصية. حفظ الله بلادنا من كل سوء.