راجح البيشي
أقترح أن يقوم كل واحد منا بإنشاء مزرعة في «حوش» منزله.. هذا إذا كان لديه «حوش»، أما الذي ليس لديه «حوش» فبإمكانه أن يستعين بقريب أو صديق لمساعدته، وذلك بأن يقوم كل شخص منّا بإنشاء مزرعة صغيرة، يزرع فيها ما تشتهيه نفسه، فيأكل من ذلك، ويتصدق، ويهدي، وينشئ بجانبها خلية نحل صغيرة، تكفيه وأسرته من العسل المضمون غير المغشوش، وفي نفس الحوش يحضر بعض الدواجن فتبيض وتتكاثر، فيأكل من لحمها وبيضها، كذلك لا ينسى أن يُنشئ له حظيرة صغيرة تحوي القليل من الأغنام ليأكل منها ويكرم ضيوفه وليشرف على إطعامها بنفسه من مزرعة حوشه الخاصة، فيضمن نظافة وصحة طعامها وطعامه منها، ويفضّل لمن يحب السمك ولا يجيد صيده أو لا يوجد لديه مكان لصيد السمك أن يُنشئ له حوضاً صغيراً في حوشه الصغير ليأكل السمك من قريب، ضامناً أنه طازج وغير مغشوش، ولا ينسى أن يحفر له بئراً ارتوازية في حوشه ليضمن صحة ومصدر ما يشرب هو وأسرته. وهكذا نطبّق ذلك على كل ما نحتاج بأن ننشئه في منازلنا، فنطبخ منه ونأكل ونشرب من صنع أيدينا التي نضمنها ونثق بها، وأنها لن تغشنا أبداً مهما اختلفنا معها!! آه.. يا جماعة ماذا أقول؟ في الحقيقة ودون مبالغة نحن بتنا نخشى على أنفسنا وصحتنا مما نشتريه من «السوق»، فأكثر الأشياء إلا ما رحم الله أصبحت مغشوشة، أو غير صالحة للاستعمال الآدمي، أو مضرة، أو غير مفيدة، فما يكاد يمر أسبوع إلا وتجد عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال الهواتف النقالة التي لا تخلو من أيدي كل شخص عن كشف «فضائح» و«فظائع» من الغش التي تشمئز منها النفس سواء في المطاعم أو المتاجر أو الأسواق، فضلاً عما تكتشفه أنت بنفسك من الغش في اللحوم والدواجن أو الخضار والفواكه أو المشروبات المائية والعصائر والمطاعم وغيرها، وغيرها الكثير الكثير حتى العسل المذكور في القرآن الكريم كشفاء للناس لم يسلم من الغش بعلامات تجارية عالمية. وهنا نتساءل من المسؤول عن هذا العبث وعن هذا التسيب والتسبب والتستر؟ وأين العيون الساهرة المعنية بالغش والأيدي الضاربة من حديد في دورها الرقابي الحازم الصارم ضد هؤلاء العابثين اللاهثين وراء المال، عبدة الدرهم والدينار الذين لا تهمهم صحة الناس ولا سلامتهم؟ وهنا أطرح سؤالاً بحجم كلمة (الغش) كيف يمكن أن يتم إنشاء مصنع ضخم بمعدات ضخمة وإمكانيات عالية وأيدٍ بشرية كبيرة وأموال طائلة وناقلات كبيرة تقوم بتوزيع هذه الكميات الهائلة، ويقوم هذا المصنع بتغذية وإغراق الأسواق بعلامات تجارية مختلفة بكميات كبيرة جداً من المواد المغشوشة دون أن يكتشف «المقص الرقابي» كل ذلك؟ إذًا ما دور الجهات الرقابية؟ وأين موظفوها والمسؤولون عنها؟ أين وزارة التجارة؟ أين محاربو الغش؟ أين الأمانات وبلدياتها ومراقبوها؟ وما العقوبات الرادعة التي ستطال هؤلاء العابثين وكل من يتساهل معهم أو لا يؤدي واجبه كما ينبغي من الموظفين؟ بل أين رجل الأمن الأول «المواطن» كفيل هؤلاء العمال؟ وكيف سمح له ضميره الغائب ووطنيته المغشوشة بهذا الغش الفاضح لأهله ومجتمعه ووطنه؟ أسئلة تجعل الحليم حيران! ولا يزال السؤال الكبير المفتوح دوماً يطرح ويفرض نفسه شئنا أم أبينا.. من المسؤول؟