أعلن وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى في خطوة مفاجأة تدشينه كتاب غازي القصيبي «حياة في الإدارة» ضمن منهج المهارات الإدارية لمرحلة الثانوية، لقي هذا الإعلان ردودا إيجابية واسعة، وتأييدا بالغا، وتقديرا من كافة شرائح المجتمع، كنت أتساءل ماذا لو تم إقرار كتاب لغازي القصيبي -رحمه الله- في وقت سابق؟ في عهد الوزير أحمد الرشيد -رحمه الله-، في الزمن الذي كان بعض المعلمين يحذرون الطلاب من شعر غازي القصيبي المقرر في منهج اللغة العربية، في الزمن الذي كنّا نرى فيه من يقول لوزير العمل علنا وفِي لقاء عام اعتراضا على قرار بيع النساء الملابس الداخلية النسائية: «سنمهلك شهرا، إن لم تعدل عن قرارك فسندعو عليك بأن يصيبك الله بالسرطان، كما فعلنا مع الوزير السابق»، معتقدين أن معاناة الوزير والشاعر والإنسان غازي القصيبي -رحمه الله- من السرطان في أيامه الأخيرة ما هي إلا استجابة من الله لدعائهم عليه، هل كان سيلقى هذا الكتاب التأييد في الزمن الذي كنّا نرى فيه من يخرج على برنامج تلفزيوني عام ليتهم كاتبه بإفساد المرأة ودعوتها للسفور، بحجة أنه أقر تأنيث المحلات النسائية، وسمح للمرأة بالعمل فيها، وتمت مهاجمته واتهامه بأبشع الاتهامات، ولكن رغم كل ما فعلوه من أجل تشويه سمعته، وعرقلة مسيرته نحو الإصلاح رد عليهم بكتاب: «حتى لا تكون فتنة» الذي رفعه أيضا نجله الأكبر سهيل في وجه كل من اتهم وقذف والده بعد موته ورحيله عن هذه الحياة.

إدخال كتاب لغازي القصيبي ضمن منهج وزارة التعليم هي نقطة فاصلة وتاريخية بين حقبتين، حقبة كانت تهاجم كل من يدعو للإصلاح، وتحارب كل خطوة من شأنها وضعنا على الطريق الصحيح، حقبة كانت مبدعة في عرقلة نمو المجتمع بشكل طبيعي يثق في قدراته وإمكاناته، وبين حقبة تسير بثبات نحو الطريق الصحيح، تحاول حتى الآن التخلص من التهم الجاهزة والمعلبة التي نرميها جزافا على كل شخص يحاول أن يوارب الباب للنور ومحاربة الظلام.

يقول الكابتن طيار صالح السعدون: «ميل واحد من الطريق السريع يأخذك ميلا واحدا فقط، ولكن ميل واحد من مدرج الطيران يأخذك إلى أي مكان».

هذا الجيل كشخص قرر أن يتوقف عن السفر عبر الطريق البري الذي يوصله لأماكن محدودة، أماكن قد لا تمنحه ما يضيف إليه رغم مشقة السفر الطويلة، وقرر عقد الصداقة مع مدرجات الطيران التي تحمله إلى آفاق أوسع، ومدارك جديدة، ويختلط بالثقافات والشعوب الأخرى، ويفسح لها الطريق بأن تشاركه هذا الكوكب دون تصنيف أو تكفير أو إرهاب أو إقصاء الآخر.

أشد المتفائلين في زمن ذروة الإقصاء والتصنيف والتكفير والدعاء على معتنقي الديانات الأخرى بالهلاك لم يكن يعتقد بأن هذا الجيل لديه المناعة الكافية لأن يحمي نفسه من سلبيات عقود كاملة من التضليل، وتزييف الدين تحت ستار حماية الأعراض، وفتاوى سد الذرائع التي لم ينزل الله بها من سلطان.

«نحن في سباق مع الزمن، إما أن نقتل التخلف أو يقتلنا التاريخ!» هكذا قالها غازي القصيبي -رحمه الله-، الذي كنت أتمنى أن يتم إقرار الكتاب كمنهج في وزارة التعليم قبل رحيله، حتى لو كره محاربوه ومهاجموه.

تأييد الرأي العام والردود الإيجابية حول إقرار وزارة التعليم كتاب غازي القصيبي في منهج التعليم يعطينا مؤشرات إيجابية بأننا نمضي نحو المعرفة، ونحو تطوير تعليمنا ومناهجنا بما يتوافق مع متطلبات المستقبل، واحتياجات الوطن من كوادر بشرية وطنية ماهرة قوية لا تمنح المؤرخين فرصة لأن يكتبوا بأنه توقف الإصلاح في هذا الوطن الذي يسير بثقة بقيادة الملك سلمان ونجله الأمير محمد بن سلمان، اللذين أعلنا الإصلاح وانتهاء عصر الفكر الضال الذي عانى منه مجتمعنا في وقت سابق.