ربما ظننا أن جنيفر لورانس لن تخرج أبدا من عباءة كانتيس في الفيلم العظيم «مباريات الجوع»، الذي جسد مأساة إنسانية متخيلة عن عقاب جماعي يقام سنويا، وينفذ على أبناء القرى الفقيرة التي تحيط بمدينة الأغنياء لأنهم فكروا يوما بالثورة، هذا العقاب تم إعداده ليكون قتالا حتى الموت بين هؤلاء الفقراء، واختيرت فيه شقيقة كانتيس الصغرى لتشارك، لكن كانتيس تقدمت عن أختها رحمة بها لتقدم أداء عظيما من النادر أن يتكرر، وظن معه الناس أن جنيفر لا يمكن أن تخرج منه، لكنها وبفيلم واحد استطاعت أن تضع في ذاكرتنا راقصة باليه روسية تقتل بدم بارد ثم تعود لتنام في حضن أمها كالأطفال.

فيلم العصفور الأحمر أو Red Sparrow هو في الأصل رواية للكاتب الأميركي جاسن ماثيوز، وهو بالأصل ضابط مخابرات عمل لسنوات طويلة في الشأن الروسي، واستطاع ببراعة فائقة نقل ملامح القسوة في تدريب الروس لجواسيسهم والدموية في تعذيبهم، والذي جعل من الفيلم مادة غير مناسبة إطلاقا للضعفاء أمام الدماء.

في الفيلم حتى أصابع جنيفر تمثل عندما يجعل من المخرج يديها مادة تتحدث وتشير وتعبر عن الألم والعذاب، وقدرة البشر على أن يكونوا أدوات تعذيب عندما تمتلئ قلوبهم بالرغبة في الانتقام بعد خسارة ما لا يعوض.

في الفيلم يخفق قلب العصفور أو دومنيكا لضابط المخابرات الأميركي، أو ربما خفق قلبه هو وهي وجدته مجرد وسيلة أخرى لتحقيق انتقام آخر، لمن سحق إنسانيتها واختار بيعها حتى أن الضابط وككل الرجال ظل طوال الفيلم يرجوها أن تثق فيه، ولم يسألها هل يجب أن يثق هو بها أم لا؟

لكن عند المدرج في المكان الذي انتهت بعد قرارها أن صوت أمها كافٍ لتعود إلى الديار، ولو مع احتمالية مليون في المائة أن تسجن وتعذب، يهمس لها أنه لن يتفهم أبدا خيانتها له، لكنها ترد بنفس درجة صوته ستتفهم، فيشيح بوجهه الغاضب بينما تصعد هي عائدة إلى أمها، الحقيقة الوحيدة في عالم القساة.

الفيلم يستحق المشاهدة للكبار فقط وأصحاب القلوب القاسية، الذين لا يشيحون بوجوههم عندما تظهر ردة فعل الإنسان في عالم الظلم.