عبر السنوات القليلة الماضية طالت ظاهرة ارتفاع أسعار السلع، ومنها المنتجات الغذائية الأساسية، كافة دول العالم دون استثناء لتصبح هاجساً مقلقاً للأمن الوطني وعبئاً ثقيلاً على ميزانية المستهلك.

لمواجهة هذه الظاهرة وتوفير الحلول الجذرية لها، علينا أن نقتنع أولاً بأن ارتفاع الأسعار لن يتوقف، ولن تعود في المستقبل لسابق عهدها، لتغدو الدول المستوردة للسلع الغذائية، مثل الدول الخليجية، أكثر الدول تضرراً من هذه الظاهرة، لأن اقتصادياتها ستصبح مرهونةً بالتضخم المستورد للأسباب التالية:

1. ارتفاع أسعار النفط يأتي على رأس قائمة أسباب ارتفاع الأسعار العالمية، لكون النفط يعتبر من أهم مدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي، وما يصاحب ذلك من ارتفاع أسعار المعدات والأراضي الزراعية وتكاليف الشحن والتأمين والتخزين.

2. انخفاض سعر الدولار الأميركي بالنسبة للعملات الأخرى في الدول المنتجة للسلع الأساسية، مما يؤدي إلى ارتفاع فاتورة الواردات الخليجية من هذه الدول لكونها تشكل أكثر من 71% من إجمالي الواردات. وسوف تتفاقم هذه الظاهرة مستقبلاً بشكل أكبر لاستمرار ارتباط العملات الخليجية بالدولار الضعيف.

3. زيادة نسبة النمو الاقتصادي غير المسبوق في الدول الخليجية والصين والهند، وما يحتاجه هذا النمو من كميات ضخمة من السلع والمنتجات والخدمات المستوردة، مما يؤدي إلى تأثر اقتصاديات هذه الدول بظاهرة ارتفاع الأسعار العالمية بشكل أكبر من غيرها، كما جاء في تقارير البنك الدولي.

4. انخفاض كمية المخزون العالمي من السلع الغذائية الأساسية، مثل القمح والأرز والشعير والسكر والزيوت والأعلاف، وتزامن ذلك مع اقتطاع الدول الزراعية، مثل البرازيل والأرجنتين والصين ودول الاتحاد الأوروبي، لنسبة تفوق 25% من محاصيلها لانتاج الوقود الحيوي، مما سيؤدي إلى انحسار كمية السلع المعروضة للتصدير.

5. زيادة وتيرة الأمطار والسيول الجارفة، التي قضت قبل أشهر على 30% من المحاصيل الزراعية في الهند والباكستان والصين وتايلند، واشتداد موجات الجفاف والحرائق التي واجهتها روسيا وأستراليا في العام الماضي، وتزامن حدة هذه التغيرات المناخية مع قيام معظم هذه الدول بحظر تصدير السلع الغذائية.

6. انتشار أنفلونزا الطيور في 60 دولة، وشيوع الحمى القلاعية في أفريقيا، وتفشي مرض جنون البقر في دول الاتحاد الأوروبي وكندا وجنوب أميركا، مما يؤدي إلى زيادة عوائق استيراد السلع المعروضة للتصدير من هذه الدول.

فاتورة الغذاء الخليجية المتنامية فاقت في العام الجاري 27 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتصاعد سنوياً بنسبة 26%، لتتضاعف قيمتها مرة واحدة على الأقل كل 4 سنوات. ونظراً لتفاقم حدة الأمن الغذائي في الدول الخليجية عامة والمملكة خاصة، فلا بد من وضع الحلول الجذرية الضرورية لمواجهة تداعياتها المستقبلية على النحو التالي:

1. بناء المخزون الغذائي الاستراتيجي في مختلف مناطق المملكة، لتتراوح طاقته الاستيعابية بين 3 إلى 5 سنوات، بحيث يتم شراء وتخزين السلع الغذائية الأساسية طبقاً لمبدأ الشراء المستقبلي بالأسعار الحالية الراهنة، على ألا تتدخل الدولة في عقود البيع والشراء لكي لا يخضع المخزون لمعارضة التزامات المملكة في منظمة التجارة العالمية، وتطبيق المادة 17 عليه.

2. إنشاء صندوق زراعي استثماري برأسمال بقيمة 10 مليارات دولار، ليقوم على شراء السلع الزراعية الأساسية من الدول بواسطة عقود طويلة الأجل، وأن يتم احتساب أسعار الشراء على أساس التكلفة الفعلية مضافاً إليها تكاليف الشحن والتخزين والتأمين.

3. الاستفادة من البنك الإسلامي للتنمية لإبرام الاتفاقات بين الدول الخليجية والدول الإسلامية المنتجة للغذاء مثل السودان وإندونيسيا وبنجلادش وتونس والباكستان، لتمويل استصلاح أراضيها وتنظيم صادراتها الزراعية من خلال قروض طويلة الأجل. وتقوم الدول الخليجية بتسديد قيمة المنتجات الزراعية بناء على معادلة تضمن السعر العالمي السائد وتؤمن سداد القروض وفوائدها، وذلك طبقاً لمبدأ ضمان الشراء الكلي للمنتجات الزراعية، لكي لا تخضع للمادة 11 فقرة "ب" من اتفاقية "الجات" في منظمة التجارة العالمية.

4. مضاعفة أعداد الجمعيات التعاونية في المملكة، حيث لا يزيد عددها حالياً عن 159 جمعية، تمثل أقل من 1% من تجارة التوزيع، وهي أقل النسب العالمية المتعارف عليها، حيث ترتفع هذه النسبة في البحرين إلى 45% والكويت 80% والسويد 90% واليابان 38%. ونظراً لما تمتلكه الجمعيات التعاونية من مزايا تنافسية، فإن إنشاءها في كل حي من أحياء المملكة يساهم في تخفيض أسعار السلع والخدمات بنسبة 20% عن مثيلاتها في مراكز التسويق الربحية.

5. توفير التأمين الطبي لكل مواطن بقيمة 1000 ريال سعودي سنوياً لكل مواطن. وهذا يعني أن الدولة سوف تتكفل سنوياً بتوفير 22 مليار ريال لتغطية تكاليف التأمين الصحي لجميع المواطنين، وهو مبلغ يقل كثيراً عن قيمة دعم الواردات الزراعية، ويساهم في تخفيف الأعباء المادية على المواطنين وإثراء اقتصاد القطاع الصحي وتحسين خدماته.

6. توفير السكن لكل مواطن، الذي يقتطع نسبة 40% إلى 60% من دخله السنوي، وذلك على غرار ما تقوم به شركة أرامكو وسابك في توفير قطعة أرض سكنية وقرض حسن للبناء يسدد من الراتب الشهري على مدى 25 عاما.

7. إلغاء رسوم الموانئ المفروضة على الواردات من السلع الغذائية، ورفع كفاءة أعمال وطرق تفريغها، حيث تشير تقارير البنك الدولي إلى أن كل يوم تأخير في تفريغ السفن يكلف المستهلك 5% من قيمة التعرفة الجمركية المفروضة على الواردات.

الأمن الغذائي في الدول الخليجية جزء لا يتجزأ من أولويات الأمن الوطني.