يذهب المعلم إلى المدرسة وهو مكبل بعشرات التعاميم والأنظمة والقوانين، يسير في مسار واحد لا يحيد عنه، فإذا حاد فهو المسؤول عما سيعانيه بعد ذلك من تبعات.
لم يعد المطلوب من المعلم تجويد الدرس داخل الفصل بأي شكل يناسبه ويناسب طلابه، ولا المطلوب منه أن يعطي الطلاب أفضل ما لديه وفق ما لديه فعلا من قدرات وملكات، إنما المطلوب منه أن يسير على استمارة مفروضة عليه من قبل القائد والمشرف والمنظومة.. فبدلا من تطويع الاستمارة لتناسب أداء المعلم... يطوّع المعلم أداءه ليناسب الاستمارة.. يحفظ بنودها ونقاطها ويسير عليها ببلاهة كما يسير السائق المبتدئ على تعليمات قارئ خرائط جوجل.
فإذا حقق طلابه درجة مميزة في أحد الاختبارات الكثيرة المفروضة عليه من قبل الوزارة وإدارة التعليم وإدارة المدرسة.. فالمطلوب منه أن يوثق كيف حدث ذلك... فإذا قال مثلا خصصت لهم كراسة للتدريب اليومي على القواعد الإملائية -على سبيل المثال - قالوا هذا لا يكفي.. قل أشياء أخرى ووثقها.. قل مثلا إنك تشاركهم في الإذاعة ووثق.. قل إنك تعطيهم دروس تقوية ووثق.. قل إنك تجري مسابقات بين الفصول ووثق...قل.. ووثق..
أما إذا أخفق طالب أو طالبان فإن المطلوب منك إعداد خطة علاجية مع التوثيق.. ويملون عليك ما يجب أن تفعله إملاء.. ولا يهم إن استفاد الطالب منها، المهم أن تحمي نفسك من أي مساءلة.. كما أنه إذا اجتاز دون أن يكون لديك خطة علاجية على طريقتهم وعلى مقاييسهم فإنك ستتعرض للمساءلة أيضا.
وباختصار أيها المعلم..في حال نجاحك أو فشلك - حسب مقاييسهم ومواصفاتهم طبعا- وثّق.. «وثق» هذه تقرأ في بعض لهجات العرب اكذب..
وثق ستحميك سواء كنت معلما بارعا لا يشق لك غبار..أو معلما لا تفقه من مهنتك سوى اسمها العظيم..
دخل معلم الصف الرابع لمادة لغتي الفصل، كان الدرس عن كتابة الهمزة المتطرفة آخر الكلمة، شرح الدرس بطريقته البسيطة، تفاعل معه الطلاب، استوعبوا الدرس، كتبوا الكلمات بطريقة صحيحة.. أتقنوا المهارة..خرجوا على السبورة وكتبوا..أملاهم قطعة صغيرة في كراساتهم وأبلوا بلاء حسنا..أعطاهم واجبا يثبت القاعدة في عقولهم..انتهى الدرس.
هذا المعلم فاشل بمقاييس استمارة القائد واستمارة المشرف، واستمارة المنظومة، المعلم لم يستخدم إستراتيجيات التعلم الحديثة المفروضة عليه فرضا.. كيف لم تستخدم إستراتيجية حوض السمك وظهرا لظهر وجدول التعلم وتعليم الأقران وإستراتيجية الدقيقة الواحدة، وإستراتيجية الزوايا والقبعات الست!؟
وكيف تجرؤ على شرح درسك بدونها..؟!
ثم كيف تقول إن الطلاب أتقنوا المهارة واستوعبوا القاعدة وهم لم يحددوا أهداف الحصة ويدونوها على السبورة ولم يكتشفوا عنوان الدرس بأنفسهم، ولم يقوموا بطرح أسئلة على المعلم...؟!
لا تقل إن الطلاب تفاعلوا مع طريقتك التي لا نعرفها، ولا تقل إنهم هضموا فكرتك التي لم نقم بتلقينك إياها. هذا لا يجوز أيها المعلم القادح..
ثم إنك لم توثّق كيف أتقن طلابك الدرس، وكيف توثق وأنت لم تلتزم ببنود الاستمارة..
هذا المعلم لا تستغرب إن رأيته يحتل المركز الأخير في نظام مكن.. بينما يحتل المركز الأول معلم وثق الإستراتيجيات التي لا يؤمن بها، ولقن الطلاب بعض الكلمات والجمل لتقال في حال حضر المشرف أو القائد.
الوزارة التي تتبنى المبادرات الكبرى للقضاء على التعليم التقليدي والتلقين. هي نفسها التي تلقن المعلم وتملي عليه بالحرف ماذا يجب عليه أن يفعل، وكيف يوثق، وفي بعض الروايات كيف يكذب!