• إبراهيم خفاجي.. وأفكر ما الذي تناله الأوجاع من حياة الشاعر؟ وأتأمل الشعراء الحقيقيين في هذه الدواوين المحيطة بي، أو في الذين أثروا في إحساس العالم، وفي كل مرةٍ أجد الأوجاع قد نالت منهم ما تريد. كأنه صار طبعاً من طباع الحياة أنه لا يمكن للشاعر أن يعيش دونما ألم، كأن هذا التعب الموزع على كوكبنا هو أقصى ما تريد القصيدة في أحشائهم أن تلمسه، وكأنه أعمق ما يريد المفتون بالكلمات أن يصل إليه، وكأن هذا التعب لا يمكنهم من نفسه حتى يشويهم. والشعراء.. الشعراء يعيشون طويلاً، ليس لأن لهم حظاً كبيراً.. لا لا، هو العكس تماماً؛ لأنهم دونما حظ، لأن الحياة لا تجد من تهرسه وتمزقه بنابيها أشهى منهم. ولا أشك أبداً أن الشعراء الذين يموتون سريعاً قد خفف الله عنهم ما تحمله الأيام في مخابئها من نصال!.

• بوح: ناصر الجهني.. هذا الإنسان الجليل الجميل، الحرّ الذي عصرت قلبه الأقدار واختبرته في ابنه حاتم – رحمه الله – فوقف هذا الأب العظيم في وجه الموت بجسارة الرجال وصلابتهم راضياً بما أراده الله صابراً ومؤمناً. ناصر.. قبل ليالٍ التقيته فراح يحدثني بشوقٍ وحبٍ كبيرين عن الشاعر العذب، وبالضبط كما يسميه؛ العمّ إبراهيم خفاجي، فما أصدقه "أبو حاتم" وما أرقّ ما قاله عن شاعرنا المتعب، الذي لم يبق بيتٌ في هذا البلد لم تدخل كلماته إليه؛ إبراهيم خفاجي.

• إبراهيم عبدالرحمن خفاجي ولد في حارة سوق ليل بمكة المكرمة عام 1927، وهو مؤلف النشيد الوطني السعودي. شاعر معاصر من الحجاز، من رواد الشعر الشعبي والغنائي في السعودية، شعره مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة الثقافية السعودية التي تستمد روحها من مخزون شعبي كبير متنوع الألوان والموشحات الفلكلورية، ولهذا السبب فقد لقب خفاجي بجواهرجي الكلمة السعودية.

http://www.youtube.com/watch?v=1zll30DLlUc

• في هذه الصحيفة وقبل عدة أسابيع، قال إبراهيم خفاجي: "كان الغناء سائدا في معظم الحارات المكية التاريخية".. قالها هكذا: "كان"!. كم هي هذه الـ"كان" مليئة بالأسى! لا ريب أن هذا الشاعر يعرف كثيراً فداحة الهوس الصحوي وحقبته التي حاولت القضاء على كل شيء جميلٍ في حياتنا وتراثنا. أجل "كان" لكنك أيها الشاعر الحيّ ومعك قليل من الصادقين واجهوا كل هذا الظلام واستمروا في إشعال القناديل. أجل حاولتم وعسى أن تعرف الأجيال التي ستأتي شرف المعركة التي خضتموها لأجلهم.. ولأجل تراثنا وتاريخنا.

[email protected]