من الطبيعي أن تتحرك غيرة المسلم، ويستنفر دفاعا عن دينه ورموزه، في حال ثبوت الإساءة أو الاستهزاء بهما من أي كان، وفي هذا السياق حدثت أفعال مشابهة قام بها بعض الأشخاص منفردين وعلى فترات متفاوتة، وكان المحرض على القيام بها حقدهم وكراهيتهم للإسلام والمسلمين، وفي حينه تصدت جماعات وأفراد لهذا الهجوم الذي استنكره المسلمون وغيرهم من الملل الأخرى، واتفقوا جميعا على أنه فعل مشين يتوجب معاقبة فاعله، أي أن المعتدلين في كل دين لا يقبلون بالاعتداء على الرموز أو التطاول على الأديان.

 ونستطيع القول إن مثل تلك التجاوزات كانت ماثلة للعيان، حيث إنها تجسدت في كتابات ورسومات، تعمد فاعلوها الإساءة، وليس هناك مجال للشك أو التخمين في أن طريقة هذا الرسم أو شكل هذا الحرف مشابه لحروف اسم مقدس أو اسم نبي أو رسول، وهذا يعكس حال البعض هذه الأيام، حيث وصل به الغلو إلى تصور أن كل حرف مكتوب أو مرسوم على منتج معين وبطريقة غير مألوفة لديه تعني أن المقصود بها الإساءة والاستهزاء برموز الدين الإسلامي.

 وكم هي التحذيرات التي تصلنا عن طريق وسائل التواصل ومرفق بها صورة لأسفل حذاء «أكرمكم الله» أو صورة لقميص يعود لماركة تجارية معينة أو شركة، ويحذرون من شرائهما لأن عليهما رسوم أو كتابات مسيئة إلى الإسلام كما يدعون، ونحن ولعدم الوضوح لا نستطيع «تعالى الخالق» أن نحكم أو نخمن أن المقصود لفظ الجلالة أو اسم النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لأن لكل لغة طريقة في رسم وكتابة حروفها، كذلك لكل ماركة تجارية علامة أو اسم خاص يميز منتجاتها عن غيرها، وليس من المنطق أن مجرد الاشتباه يعطينا الحق في المهاجمة والتشهير خاصة أن الأمر وصل بالبعض إلى الاعتداء وإتلاف المنتجات والتشهير بأصحابها مع التكفير إن كان مسلما تحت هذه الذريعة.

 هناك من قد يعتبر هذا الكلام دفاعا أو دعاية لأشخاص أو شركات غير أن الأمر بعيدا عن ذلك كليا، هو مجرد لفت الأنظار إلى أن تلك التصرفات قد تدخل المسلم هو نفسه في دائرة الشبهات بتعمده البحث والتخيل أن ذلك الرسم يشبه كذا وكذا، خاصة أن لفظ الجلالة منزه ومقدس عن أي شبيه أو مثيل حتى لو بالظن، لذلك يجب علينا كمسلمين أن ننظر لقداسة الاسم قبل أن ندخل في المماثلة والتشبيه، البعض يقوم بهذه الأفعال كنوع من التدين وحتى إن كان الدافع كذلك فهناك ضوابط وحدود معينة يجب التقيد بها في عملية الحكم والتعاطي مع مثل هذه الأمور، والتي قد توصل الناس إلى الغلو في دينهم.

 والغلو والتشدد محرضان لظهور التطرف في المجتمعات، وخاصة تلك التي مازال الجهل يسيطر على الكثير من أفرادها، وبالتالي هم لا يفرقون بين المحرم والمباح، بل يغلب التحريم لديهم على كل مباهج الحياة، وتقضي هذه الفئة جل وقتها في مطاردة خلق الله وفرض فتاواها عليهم، وفي حال عارضها أحد فله الويل والثبور، ومع الأسف هذه الأمور شائعة بكثرة في بعض الدول الإسلامية، خاصة تلك التي مازال التعليم محدودا ونسبة الجهل طاغية، ولا نعفي المتعلمين لأن فيهم من هو مغالٍ ومتطرف، ويستغل في متابعيه عملية الانقياد والتبجيل من باب أنه العالم الجليل والفقيه العارف الذي لا يحيد عن جادة الصواب «من وجهة نظرهم»، وبالتالي الانقياد له واجب، وبذلك تتساوى معرفتهم بالجهل والتطرف، وهي نصيب من خالف القطيع أو أظهر تمرده على فكر هذه الجماعة، والتي خالفت ما نصت عليه جميع الأديان السماوية، وخاصة الإسلام، وقد حث نبيه الأعظم على الرفق في الأحكام والاعتدال في الفتوى، ونهى عن التنطع في الدين، وهو التكلف والتشدد الذي يضيق على الناس ويدفع بعضهم إلى الانحراف ليصبح إما ملحدا أو إرهابيا يقتل ويفجر نفسه وغيره تحت طائلة الجهاد ونصرة الدين.

 وعلى مر العصور شهد كثير من البلدان مثل هذه الجماعات وتحت مسميات متعددة، ولم يكن الدين الإسلامي فريدا في ذلك، ولكن هناك حركات ومذاهب نشطت في ديانات أخرى، الفرق أنها ظهرت وترعرعت عندما كانت البيئة خصبة في العصور الظلامية التي ساد فيها الجهل، واليوم وهي في عصر التنوير تكاد تخلو تلك البلدان من تلك الفرق إلا المسالمة منها والداعية إلى السلام أو حماية البيئة ومنح الإنسان حقه في العيش بأمان على هذه الأرض، بينما لدينا الأمر مختلف وفي الوقت الذي يجب أن يغلب علينا فيه الوعي والتفكير السليم نتراجع إلى الخلف عشرات السنين متعثرين بالكثير والكثير من الآراء والفتاوى ونظرة الحقد التي تدفعنا إلى التجني وكيل التهم للآخر لمجرد الاشتباه، والدافع في ذلك ليس غيرتنا على الدين كما يظهر البعض، وإنما ترسبات الماضي ومشاحنات الحاضر، والتي جعلتنا متحفزين، ونبحث عن هفوة أو شبهة ننفذ من خلالها إلى ذلك العدو الدائم الذي قيل لنا إنه سلب حقوقنا في زمن ما.