تُعد سورية أزمة أوروبية كما هي أزمة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، ويمكن تصنيفها من أسوأ كوراث حقوق الإنسان منذ عقود. قد يقول لنا المؤرخون يوما ما إلى أي درجة أضاع الغرب فرص إجبار بشار الأسد للجلوس على طاولة المفاوضات، وكيف كان لديهم الوقت الكافي والقدرة الضاغطة لإيقافه وخاصة بواسطة الضربات الهادفة. إن هذا ما حصل مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش الذي أجُبر على توقيع اتفاقية دايتون في عام 1995 لوضع حد للأعمال الوحشية التي كانت ترتكب في البوسنة.
هناك نحو نصف مليون قتيل في سورية، وما زال العدد في ازدياد، ولقد أصبحنا مرتبطين بهذه الفظائع بطرق تتجاوز قدراتنا على الاستغراب، ونحن نجلس لمشاهدة الصور التلفزيونية للأطفال الذين تعرضوا للقصف في أسرَّة المستشفيات في الغوطة الشرقية.
سورية سوف تطاردنا وتؤرقنا لفترة طويلة، فمنذ سقوط الرقة العام الماضي، تحولت أزمتها تدريجيا إلى شبه حرب عالمية، على الرغم من أن القوى العظمى التي تشارك فيها -روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة- لم تكن صريحة في إعلان حرب مفتوحة مع بعضها البعض، لكنها تتنافس من أجل السيطرة على أراضي حقول النفط.
وفي ذروة التفاؤل الذي أعقب الحرب الباردة، كان من المفترض أن تكون أوروبا قادرة على تصدير الاستقرار، ولكن بدلا من ذلك، في السنوات الأخيرة، امتدت حالة عدم الاستقرار والفوضى إلى أوروبا من الخارج، ولقد ولد المشروع الأوروبي من الحاجة إلى تأكيد أن الماضي لن يكرر نفسه، واليوم بريطانيا وفرنسا، اللتان كانتا القوتين الاستعماريتين السابقتين في الشرق الأوسط، يبدو نفوذهما ضئيلا.
منذ البداية كانت أزمة سورية معقدة لتحديد الحلفاء بصورة قاطعة، وهذا أمر لا يمكن مناقشته. والواضح أن الصراع في سورية هو لإحكام السيطرة على حقول النفط، ولذا فإن فرض عقوبات على سورية وإيقاف التدفق المالي قد يسهما في إنهاء هذا الصراع المستمر منذ سنوات.
سنحتاج في يوم من الأيام إلى النظر عن كثب في التسلسل الزمني للأحداث التي أصبحت فيها مكافحة الإرهاب بالتدخل العسكري ضد تنظيم «داعش» مستساغا سياسيا منذ 2014 بسبب قطعه رؤوس الرهائن الغربيين. سوف نحتاج إلى البحث في كيفية تحول الاستجواب اللازم للغرب بطريقة أو بأخرى إلى اللامبالاة على نطاق واسع لما وصلت إليه السلطات السورية الاستبدادية.
سورية مأساة لأوروبا، لا لأنها استيقظت غضبنا الصريح (بجرعات متواضعة إلى حد ما)، ولا لأن سياسات قارتنا قد تصاعدت بسبب اللاجئين الوافدين منها، فسورية جزء كبير منا إذا نظرنا إلى أنفسنا في المرآة بعد مذبحة أوروبا في القرن الـ20... سورية هي هزيمتنا الأخلاقية.
نتالي نوغيريدي*
*كاتبة عمود
(الجارديان) البريطانية