تتصدر أدبيات التطرف والإرهاب في المشهد السعودي بعض الفتاوى والكتابات غريبة المنبت والمنشأ على أبجديات البحث الشرعي وثقافته في البلد، وهذا ناتج عن تشظي الفكر السلفي الذي عرف بمهادنته، وتجنبه الفتن، وما يشق الصف في سبيل توحيد الوجهة والجهة، لضمان سلامة الفرد والمجتمع، وهذا التشظي جاء من تولي ثلة من السعوديين وكثير من المقيمين ذوي التوجهات الحزبية عملية خلخلة الأمن والسلم الاجتماعي عبر أفكار دخيلة أثرت وتؤثر على أمن البلد وأمانه، ويأتي في مقدمة هذه الفتاوى والكتابات، فتاوى تجريم وتحريم العمل في سلك المباحث العامة، ومنها على سبيل المثال تلك الأوراق السوداء التي كتبها فارس آل شويل-أبو جندل الأزدي- تحت عنوان: (الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث)، فقد كان الناس وإلى فترة قريبة ترى العمل في سلك المباحث العامة من المكروهات أو حتى المحرمات الاجتماعية بسبب الدعاية الصحوية، وقبلها الدعاية اليسارية التي جعلت عداء هذا الجهاز نصب عينيها، وجعلت هدفها محاربته بكافة الوسائل وشتى الطرق، ولأن من صميم عمل المباحث العامة، محاربة الفكر الضال والمنحرف، فكان من المتوقع أن تقوم فلول هذا الفكر بتشويه سمعة هذا الجهاز أمام المجتمع، وظل هذا الأمر حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها، والتي حركت المياه الآسنة، فتبين ما النافع للمجتمع من الضار، حيث يبقى الهاجس الأول للمواطن هو الأمن على كافة مستوياته، ومتى ما اطمأن المواطن على أمنه وأمن أبنائه، ومتى ما وثق بالجهات المسؤولة عن ذلك تحقق جزء كبير من العيش الرغيد والدعة والرفاه التي ينشده في حياته ومعاشه، إذ يعتبر الأمن من أهم احتياجات البشر، لذا فإن أنجح الدول هي تلك التي تستطيع أن تحافظ على أمنها الداخلي عبر أجهزتها الأمنية، ووعي شعوبها بأهمية تلك الأجهزة الحامية للمواطن والمقيم، وحينما يختل الأمن يجد أصحاب الفكر الضال منافذ مواتية لنفث سمومهم من خلالها وتنفيذ أغراضهم الخبيثة.

ومن هذا المنطلق دأبت حكومة المملكة العربية السعودية على مختلف مراحلها الزمنية على توفير الكادر البشري المدرب ذي الكفاءة العالية وتطوير الأجهزة والجهات الحكومية المختلفة المعنية بتحقيق معادلة الأمن والرفاه، التي لا تتحقق غالبًا إلا بتعاون المواطن نفسه وحرصه على كل ما يحمي وطنه على قاعدة الشعار الجميل: (وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه)، وفي مقدمة هذه الجهات والأجهزة، جهاز رئاسة أمن الدولة بفروعه المختلفة التي تشكل منظومة أمنية تتكامل لحماية الوطن ومقدراته، وحماية المواطن ومنجزاته.

 ورئاسة أمن الدولة هي مؤسسة أمنية استخباراتية سيادية، أنشئت بأمر ملكي في 20 يوليو 2017، وترتبط بمجلس الوزراء، ويتبعها كل من: المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، ورئيس أمن الدولة حاليًا الفريق أول/‏ عبدالعزيز الهويريني، أحد أهم الكفاءات الوطنية، والتي يعوَّل عليها الكثير.

وتتضح مهمة جهاز رئاسة أمن الدولة في حماية أمن الدولة والتصدي للأخطار الداخلية والخارجية، وكشف كل الأعمال التي يقوم بها الأعداء في الداخل والخارج لضرب اللحمة الوطنية الداخلية، وكما يقوم الجهاز على تعزيز القدرات الاستباقية للتصدي لأي هجمات قد توجه للوطن من خلال كفاءة عالية في جمع المعلومات، وتداولها وتحليلها في أروقة أجهزته الأمنية والاستخباراتية المتخصصة والمدعمة بأبرز الكوادر البشرية المؤهلة جسديًا ونفسيًا وعلميًا وتقنيًا.

إذًا فإن لبَّ عمل جهاز رئاسة الدولة هو توفير الحماية للمواطنين، والأفراد المتواجدين على أراضي الوطن، واستخدام الوسائل الأمنية للمحافظة على سير الحياة اليومية بشكل سلس بعيدًا عن وقوع أي أزمات تؤدي إلى الإضرار بالمكونات المجتمعية بشرية كانت أو مادية، وهذا يعني الاستعداد الدائم للتهديدات التي قد تواجه الدولة، سواء من مصادر داخلية، أو خارجية، والحرص على تطبيق كافة الإستراتيجيات الأمنية، وهو ما نراه عيانًا كل فترة من خلال النجاحات الباهرة التي تقوم بها هذه الأجهزة لكشف الخلايا النائمة أو النشطة، وكشف المخططات التي تستهدف أمن هذا البلد الطيب المبارك وإنسانه ومكتسباته ومقدراته، بل وتجاوز ذلك إلى تحقيق نجاح عالٍ في عمليات استباقية تسبق التخريب والإرهاب أو التغرير بشباب الوطن، في حالة تعطي كل مواطن ومقيم على أرض المملكة العربية السعودية الأمان والاطمئنان –بإذن الله وتوفيقه وحمايته- بأننا في ظل رعاية حانية وحماية ضافية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين – أيدهما الله-

وعلى صعيد آخر، فقد طرأ عدد من التحولات حول مفهوم الأمن والقوة العسكرية، ومن أبرز هذه التحولات أن القوّة لم تعد مرتبطةً بالعامل العسكري فقط، وإنما تخطته إلى التعليم والتكنولوجيا والسياسة والنمو الاقتصادي وقوة المعلومة وامتلاكها، وكذلك تجاوز مفهوم الأمن والقوة العسكرية مسألة القدرة على امتلاك قوة نووية أو قدرة ردع إلى استشعار أي خطرٍ مسلّح، والكفاءة الكافية لإجراء قراءات مستقبليّة لنوايا وخطط الدول المعادية، أو دول «البين بين» إن صحت التسمية، وهذا كله ينعكس على الأمن السياسي الذي يعني استقرار البلد، وحماية شرعيته، وينعكس بالتالي على حماية الاقتصاد، وحماية التنمية، والأمن الاجتماعي.

إنَّ إنشاء جهاز الرئاسة بالصيغة التي تم عليها سيمكنه من التركيز على مكافحة الإرهاب أمنيًا واستخباراتيًا، ومراقبة تمويله ماليًا، وسيسهل للرئاسة التواصل مع الجهات ذات العلاقة خارجيًا، كذلك فإن لإنشاء الجهاز تأثيرًا اقتصاديًا من خلال ترشيد إنفاق الدولة، حيث سيوفر الجهاز عشرات المليارات من الميزانية التي كانت تصرف في عدة مسارات أمنية مهمة وضرورية سابقًا إلا أنها مع الجهاز الجديد وحدت وجهة الصرف، وخفضت النفقات ورشدتها بشكل فاعل من خلال رفع كفاءة العمل، وتقليل بنود الصرف.

أذكر ما سبق ذكره في ثنايا هذا المقال، وأنا أرى إنجازات رجال رئاسة أمن الدولة الأشاوس، من خلال ما لمسناه في مدة وجيزة من عمليات نوعية مع كل تحرك لخلايا الشر، بمُبادرة جريئة، وضربات استباقية، وأساليب مهنية عالية، يدعمها أنبل صفات الشجاعة والإقدام والجسارة والإصرار والعزيمة، ومبدأ راسخ أن أمن الوطن كلٌ لا يتجزأ، ويكفي رجالات هذا الجهاز سموًا التواجد والحضور اللافت في كل المحافل الوطنية الممكنة، والذي كان من آخرها معرض القصيم للكتاب، والذي شاركت فيه الرئاسة بأكبر الأجنحة تقريبًا وأميزها من جهة التصميم والنشاط، والفاعلية مع رواد المعرض، تحت إشراف وقيادة العميد/‏ عبدالعزيز المحيميد، والذي لا تراه إلا كتلة عطاء متحركة، مع دماثة ولباقة وذوق، ومعلومة حاضرة وثقافة نابهة، ومن أعجب ما رأيت تلك الثقة المتناهية بالنفس، والهدف والسبيل هو دعوة الجهاز لعموم المواطنين إلى زيارة سجون المباحث العامة، ورؤية الحقيقة والكشف الميداني المباشر عمَّا ينسج حول تلك السجون من أكاذيب وتضليل يراد منه نزع الثقة بين الدولة والمواطن.

أخيرًا، هنيئًا للوطن برجال الوطن في القوات المسلحة كافة، وفي رئاسة أمن الدولة، وفي وزارة الداخلية، هنيئًا لنا بالذائدين عنا في الحد الجنوبي، وفي كل حد، والذائدين عنا في الداخل، فهم على قدم سواء، جهاد في الداخل وجهاد في الخارج، كتب الله أجرهم وأعلى شأنهم، وأعز الله وطننا الأشم.