من ثنايا البشارة الملكية التاريخية لأهالي منطقة عسير بإنشاء هيئة عليا لتطوير المنطقة، يبرز السؤال الجوهري: هل سنتجاوز الفهم التلقائي المبسط ثم نبني عليه بالخطأ فنختزل الفكرة الشاملة في مجرد الخدمات البلدية والسياحية؟ المسمى وحده يأخذنا للنظر في كل شيء وعدم استثناء أي شيء، فصاحب القرار السامي العالي، وبالتأكيد، لم يختص عسير وحدها من بين المناطق المشابهة إلا بناء على معلومات وحقائق، أن هذه المنطقة بالفعل تحتاج إلى جهاز مركزي لإدارة ما كان ينقصها من التخطيط والتطوير. للأسف الشديد لم تحظ منطقة عسير من بين كل المناطق في زمن الطفرة الأخيرة بمشروع جوهري يكون بمثابة العمود الفقري الذي تستند إليه بقية أضلاع التنمية الموازية. وهنا لن أكتب المقارنات مع مناطق أخرى لأن خريطة المدن الاقتصادية والصناعية على أديم هذا الوطن معروفة وشبه مكتملة.
وسأكتبها بكل وضوح: في زمن الطفرة المرحومة كانت عسير ضحية الإهمال واللامبالاة من كثير من أصحاب القرار المركزي، وأنا هنا أشير بصراحة إلى أصحاب المعالي على طاولاتهم المختلفة. منظومة عسير الصحية مترهلة، بينما تتابعَ الوزراء المختلفون، ولم يتكرموا ولو بالرد على المدينة الطبية التي تدخل عامها الثامن في صورة مؤلمة على أكبر الشوارع. كل الجامعات السعودية اليوم تعمل بصورة شبه مكتملة من مدنها الجامعية، بينما هنا أكاد أن أتحدى دخول طالب واحد إلى المدينة الجامعية بالمنطقة قبل ثلاث سنوات من اليوم. مطار المدينة يقبع في مجرد أرض بيضاء فارغة تحت عشرات الرافعات العملاقة، التي أكلها الصدأ دون أن ترفع من البناء نصف متر. شرايين الطرق الرئيسة من المنطقة وإليها لم تحرك اهتمامات السادة من الوزراء المتعاقبين على النقل، ومخجل جداً أن أكتب أن مشروع ازدواج طريق شرياني جوهري في أمن هذه المنطقة شبه نائم، منذ خمس سنوات، بينما المسافة كلها أقل من عشرين كيلومترا. ومساحة المقال، ولو بعشرة أضعافها لن تكفي لإكمال بقية المعروض، ولعله لهذا تحتاج عسير مع هذه المكرمة السارة أن ننظر للمشروع برمته بشمولية وأفق أوسع. نكمل غداً.