أحيانا تمر بخبرات مع الآخرين تشعر بأن أعصابك سوف تنفجر، وتتمنى أنه باستطاعتك أن تصرخ بأعلى صوتك، ولكن تتمالك وتضبط ردة الفعل، تبتسم وتردّ بطريقة أو بأخرى، المهم ألا تسمح لنفسك بأن تنطلق وتضرب بلسانك يَمنة ويسرة، ثم تندم! ليس دائما مَن ضرب آخرَ وتر على أعصابك هو مَن قام بالأمر الذي يغضبك قد يزعجك، ولكنه لم يصل إلى حد الغضب في الظروف العادية لحالة أعصابك، إذًا ما المتغير هنا؟ إنه أنت! لقد تحمّلت فوق طاقتك في فترة قصيرة، وجاء المسكين ليقصم ظهر البعير! وأحيانا تمرّ بنا أحداث متتالية ليست بنفس الحدّة التي تستدعي الغضب إن كانت في أوقات متباعدة، ولكن كونها حدثت في نطاق فترة ضيقة، تشعر وكأن حبلا يلفّ حول عنقك، ولا تستطيع أن تتنفس! لا أستطيع أن أقدّم النصائح هنا كوني ما زلت أعاني عدم التكيّف أحيانا، ولا أستطيع أن أتجاهل سلوكيات تمر بغيري مرور الكرام، وتقف عندي لتهزني هزا! يقول خبراء علم النفس إنه من الأفضل إخراجها ومواجهتها، ووضع خيارات متحضرة في كيفية التعامل مع المزعجين، حسب معاييرك، متى ما تم اللقاء أو الحوار، منهم من يقول تراجَع وفكّر في النتائج إن أنت تركت نفسك تنفجر، ومنهم من ينصح بأن تحاول أن تتذكر أن الذي أمامك يتصرف بهذا الشكل ليس لأنه في الأساس يريد أن يزعجك أو يغضبك، فأحيانا كثيرة لا يعرفك ولا يريد أن يعرفك، ومنهم من ينصحنا بأن نخرج طاقتنا السلبية التي تراكمت في داخلنا من خلال الاشتراك بناد رياضي أو القيام بعمل فني، مثل النحت أو الرسم أو حتى إنزال كل المشاعر على ورق، ثم إتلافه، المهم الانضباط حتى تستطيع أن تفكّر وتتواصل وتكمِل مسيرة حياتك بطاقات إيجابية.
والآن ماذا يزعجني؟ إنه كثير، ولا تكفي مقالة واحدة للتّعداد، ولكن سأحاول أن أركّز على التي قد تؤثر في البعض كما تفعل بي. لنبدأ بالسلوكيات؛ أن يمضغ أحد اللبان بصوت عال، لا بل تأخذه السلطنة ويبدأ بسمفونية من الفرقعات المتتابعة، حينها تشعر وكأن أحدهم اتخذ رأسك طبلة، وبدأ بالعزف عليها! أما الذي تجده يلعب بأنفه أو أذنه، وحين ينتبه إليك يسارع إلى مصافحتك، هنا لا تدري ماذا تفعل، حقيقة أنه يودّك وأنه إنسان طيب، ولكن يا ربي ماذا أفعل بتلك اليد الممدودة إليّ؟! وأحيانا يكون جالسا بجانبك إلى المائدة، ويمد تلك اليد ليلتقط قطعة جبن أو قطعة من المعجنات ويريد أن يدفعها داخل فمك! وهنا تدرك أهمية التمثيل، فتعطس أو تدخل في حالة إغماء مؤقتة! وأحيانا تقف على الرصيف في انتظار السيارة لتسمع صوتا مقززا يخترق أذنيك، فتستدير لتجد من يجهّز نفسه ليبصق، ويضع بذلك علامة امتلاكه للرصيف بجانبك إن كنت محظوظا! كل نظرات الاشمئزاز والحنق لا تؤثر في شعرة واحدة من رأسه، فينظر إليك بنظرة تحدٍّ، ويكمل طريقه! أما التي قليلا ما تحدث، ولكنها تحدث، فحينما تكون في سيارتك في أمان الله تقرأ أو تتصفح برامج التواصل على جهازك النقال، وفجأة يقذف أحدهم بكيس أوساخ من نافذة سيارته لتخترق نافذتك ولتستقر في حضنك، تندم حينها على فتح النافذة للتنفس، وأنت تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ملابسك!
وهنالك أصحاب الأنوف العالية؛ يحدّثك وكأنك كيان هلامي بالكاد يراك، يكفي أنه أعطاك من وقته الثمين، وربما نظر إليك! أما أبو العريف، فهذا قصة ورواية وحده؛ هو الذي يعرف، وهو الذي يفهم، ولهذا يتطلب منك أن تشكره وألا تعترض على أي معلومة يقدمها، وإن لم تطلبها! ثم يأتي أشباه المثقفين الذين يمطرونك بالمفاهيم المركبة، والتي في كثير من الأحيان لا يفقهون عنها شيئا، وإن جادلت وأتيت بمعلومات مغايِرة أو وثائق تدحض أقوالهم وتنسفها يستديرون لينسفوك! وممّا يزيد الطين بلّة أن لهم أتباعا يصفقون ويؤيدون، وإن سألتهم عن تعريف المفهوم ارتبكوا، وشاركوا في النسف مع سيدهم! والذين يعلمون أن ما يقدمونه معلومات مزيفة لكنهم يصرون على نشرها وكأنهم يوزعون علبا من الحلوى! وبمناسبة الكلام عن الزيف إليكم المزيّفين الذين يظهرون أمام الجميع بأنهم مثاليون أو أمامك بأنهم معك، وأنت تعلم تماما أنهم يقومون بـ«السبعة وذمّتها»، أو مَن عندما تكون أمامه يمتدحك حتى تظن أنه سيولّيك إمارته، وحين تبتعد عنه يختار ضحية أخرى! وإليك الذي يرفع الضغط فعلا منذ أن يغضب، أو لنقل يزعل، مِن تصرف ما منك، لا يأتي ويستفسر، بل يخبر شخصا آخر، وبدلا من واحد أصبح الغاضبون اثنين، ومع الوقت يصبحون قبيلة، وأنت لا تدري ما الذي جرى ويجري من حولك، لتستيقظ يوما وتجد نفسك قد وضعت ضمن قائمة المقاطعة! وأخيرا، وليس آخرا، الذين يدخلون في حديثك وأنت تحكي ما حدث لك من قصة مؤلمة أو مضحكة أو مؤثرة، فيدخل أخونا على الخط قائلا: «ماذا؟! هذا لا شيء بالنسبة لما حدث معي»! يا أخي اترك لي لحظة استمتاعي بدائرة الضوء، دعها لي ولو مرّة! لكن كلا يدخل ليسرق منك الضوء، ويلقيك في زاوية الظل وحيدا، وإن أردت أن تعود سارع بقصة أخرى فأخرى حتى ينسى مَن في المجلس أنك حضرت أصلا!
إنْ حدث ومررت بعدد كبير من هذه الخبرات، فقد تجد أن الشخص التالي الذي يقوم بأي تصرف يزعجك مهما كان صغيرا يتحول إلى مرمى سهام غضبك، خاصة أنك استنفدت كل حديثك الشخصي مع نفسك محاولا تهدئة أعصابك، وربما استنفدت كل ما بداخلك من حوار تمنيت أن تطلقه بوجه هذا أو ذاك وتراجعت! وليس الحوار هذا سوى قدر ضغط تعبئه أنت بـ «ليتني ولو أنني»، الذي تسبب في أن تنفلت أعصابك وتقديرك وحكمتك، وبدلا من الحديث إلى نفسك، تحول الأمر إلى فعل تجاه الضحية التي يمكن أن تكون زوجا أو أخا أو طفلا أو صديقا! حين يحدث هذا لك بحيث أنت المتلقي لموجات الغضب، وقد تكون ممن تقدر وتحب حاول أن تتفهم أنه ربما صدر منك شيء ما قد لا يكون كبيرا، ولكنه كان القشة التي قصمت ظهر البعير! أما أنت فحاول أن تجد منفذا على قدر المستطاع لتخرج من خلاله كل ما يجري بداخلك من غضب، فلا تدري من سيكون الضحية، وماذا سيكون الناتج!