أطلق المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة «أداء» أخيراً حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، مؤكداً على تعزيز الشفافية في العمل الحكومي، وذلك من خلال متابعة أداء الأجهزة الحكومية، وتقييم مدى التقدم الحاصل في تحقيق أهدافها، وتنفيذ البرامج وقياس رضا المستفيدين من خدماتها.
وبالرغم من أهمية المركز الوطني لقياس الأداء وأثره على تطوير الإدارة الحكومية، إلا أن دور المركز لا يزال غامضا وغير واضح، ومن الطبيعي أن يختلف الناس في فهم طبيعة هذا الدور وتحليل أبعاده، خصوصاً أن الأداء الحكومي متعدد الجوانب ومعقد التركيب، وبالتالي انعكس هذا الغموض وهذا الاختلاف في تحديد المفهوم على طبيعة دور المركز الوطني للقياس.. فهل دور المركز يتعلق بالرقابة على أداء الجهات الحكومية أم أن هذا القياس يتعلق بتحديد جودة الخدمات الحكومية؟ ولماذا تحتاج الجهات الحكومية إلى وجود مؤشرات للقياس؟ وأخيراً كيفية هذا القياس؟.
حاول المركز الإجابة عن الأسئلة السابقة من خلال موقعه الإلكتروني على شبكة الإنترنت، لكن مجمل الإجابات تدخل ضمن الإطار النظري الأكاديمي الذي لا يفهمه إلا المتخصص في هذا المجال، وحتى المتخصص يرى غموضاً في طبيعة دور المركز، فعلى سبيل المثال: يقول المركز إنه سوف يصدر تقارير ربع سنوية عن أداء الأجهزة الحكومية وبعد اعتمادها سوف يتم تقديمها إلى متخذي القرار، وهذا يعني أن هذه التقارير سرية، بينما يؤكد المركز في الوقت نفسه على تعزيز الشفافية إلا أنه لم يذكر أن هذه التقارير سوف تعرض على الرأي العام، أو على الأقل عرض مؤشرات القياس.
وعلى هذا الأساس، لدينا إشكالية في موضوع القياس ووضع المعايير، ولماذا نريد قياس الأداء الحكومي؟ هل للمساءلة والمحاسبة؟ وإذا كان للمساءلة، من يستطيع مساءلة من؟ فمن الجميل أن نصدر تقارير ربع سنوية، ولكن هل يمكن تطبيق القانون في حق أي مسؤول في القطاع الحكومي؟ هنالك الكثير من المقاييس والمعايير، وقد أتخمت المكتبات بالدراسات والأبحاث، ولكن أي من هذه الدراسات قد أوصل إلى نتيجة؟ هنا يجب أن يحدد المركز ما يهدف إليه من وراء القياس بشكل واضح، ولماذا يجب أن يقيس؟.
بالإضافة إلى ما سبق، من مهام المركز الوطني لقياس الأداء، بناء مؤشرات وأدوات قياس أداء الأجهزة واعتمادها وتطويرها بشكل مستمر، والسؤال المطروح هنا: هل المركز سوف يقوم بإعداد مؤشرات القياس بنفسه أم الأجهزة الحكومية؟ فإذا كانت الأجهزة الحكومية، فهل يقوم المركز بمراجعتها للتأكد من مصداقيتها؟.
فكما هو معلوم، أن السائد في بعض الجهات الحكومية هو عدم وضوح الأهداف والرؤية الاستراتيجية لدى المسؤولين ومديري الإدارات والقائمين عليها، وبالتالي العجز في إقحام أهداف الخطط الإستراتيجية وسياساتها في أعمالهم الإدارية، بالإضافة إلى أن متخذي القرارات في تلك الجهات يقاومون الخطط أشد المقاومة بما يجعلهم في منأى عن المساءلة والمحاسبة.
وليس هذا وحسب، بل إن بعض الأجهزة الحكومية تعمد في تقاريرها السنوية إلى تضخيم منجزاتها بشكل مبالغ فيه، وهي في الغالب تكون وصفية إنشائية، مع تطعيمها ببعض الجداول الإحصائية والرسوم البيانية والصور الفوتوغرافية المثالية، التي لا يستفاد منها في عملية التحليل المعلوماتي لهذه البيانات، بالإضافة إلى أن معظم هذه التقارير لا ترتبط منجزاتها بما ورد في الخطة الإستراتيجية وما حققته خلال الخطة التشغيلية السنوية.
وبناءً على ما سبق، يبقى السؤال: من سوف يقوم بإعداد مؤشرات قياس الأداء؟ فهل سيقوم المركز الوطني بإعداد المؤشرات، ومن ثم توزيعها على الأجهزة الحكومية، لتقوم كل جهة بإعدادها وتعبئتها، وحتى هذا الإجراء له مخاطر عالية نسبياً، لأن التركيز سوف يكون على الكم وليس على جودة العمل ونوعيته، فقد تحرص وزارة الصحة على سبيل المثال على تقليل نسبة الوفيات في المستشفيات، لأن ذلك يعد مؤشر أداء جيد بالنسبة لها، وعليه قد تعمد المستشفيات إلى عدم قبول الحالات الحرجة أو المستعصية لكبار السن مثلاً، وذلك للتقليل من نسب الوفيات فيها، وذلك حتى تظهر بالشكل الجيد أمام المركز في تحقيق أهدافها.
النقطة الأخيرة التي أود أن أشير إليها، تتمثل في أننا نحتاج إلى عدم البقاء أسرى للمنهج الكمي عند أية محاولة لقياس الأداء، حيث إن الأرقام صماء لا تفصح ولا توضح، ونحن بحاجة إلى المدخل الكيفي الذي يفصح ويوضح ويشرح، وفي حاجة إلى أن نعرف المضمون والفحوى والأسباب والتجليات، وكيف تحدث، مع وجود مصداقية معقولة حول عمليات القياس.
هناك أسئلة واستفسارات كثيرة حول طبيعة دور المركز الوطني لقياس الأداء، لا يتسع المجال لذكرها، ولا شك أن هناك تحديات صعبة سوف تواجه المركز، نتمنى تجاوزها نحو تحقيق إدارة حكومية حديثة تعتمد على المساءلة والشفافية.