قبل الشروع في كتابة موضوع اليوم سألت نفسي، هل أنا، فعلا، بحاجة لمقدمة تمهيدية أثبت من خلالها بقائي في دائرة الإسلام وعدم الردة أو الإلحاد، وتجردي من العلمانية والليبرالية حتى أُظهر للقارئ العزيز أنني لست زنديقا ولا فاسقا ولا تغريبيا، كي يقبل طرح الرأي ويعفيني من التصنيفات والأحكام المسبقة «الدفع». هل ستشفع لي مقالات سابقة مثل «ظلامية التطرف الإلحادي» و«التطرف العلماني» وغيرهما.

حقيقة، لقد تألمت لضرورة التوطئة التالية والتي تنم عن أزمة في تقبل وجهات النظر في مجتمع لا زال بعضه وربما أغلبه، يقدّم سوء الظن ويُعمل التشنج في طرح الرأي.

لهذا أقول؛ إنني على المستوى الشخصي، أستمتع بأصوات الأذان المعتدلة، تشعرني بالارتياح النفسي والطمأنينة. كذلك، تغمرني الراحة النفسية في الصلاة بالمسجد رغم اعتقادي بأفضليتها وعدم وجوبها جماعةً نظراً للأدلة الشرعية الراجحة بحكم تخصصي الشرعي.

وخلال سفري للدول الغربية، أحرص على زيارة المراكز الإسلامية وحضور صلاة الجمعة رغم رخصة المسافر. وحين يصادف السفر في رمضان، أستمتع بتناول الإفطار الجماعي في بعض مساجد تلك الدول وصلاة العيد علاوةً على مساجد الدول العربية والإسلامية، رغم رخصة السفر أيضا!  عشت بضع سنين في دولة - رغم أنها مسلمة وتعتني ببيوت الله بالكيفية أكثر من الكمية- مما جعلني وأسرتي نعاني من صعوبة سماع الأذان الذي يُطرب قلب المؤمن ويشعره بعظمة وتعظيم شعيرة الصلاة.

إن العناية بشعيرة الصلاة لا تقتصر على مجرد تشييد مساجدها ورفع مناراتها وتوصيل الخدمات إليها، فحسب، بل يشمل أيضا نظافتها وسلامتها من كل ما يسيء إليها. ومما يسيء إلى بيوت الله، الأصوات المزعجة من منسوبيها- مؤذنين وأئمة - علاوة على الأجهزة الموجودة فيها وإساءة استخدامها.

هناك أصوات مؤذنين تشرح الصدر وتشنف الآذان- رغم قلتها- إلا أن الغالبية، سيئة الصوت لا سيما أصوات العمال الذين يُنيبهم المؤذنون في غيابهم. تحصل هذا الإنابة، أيضا، من أئمة لأشخاص همهم الأكبر إسماع أهل الحي قراءاتهم مهما كانت سيئة.

المعضلة أنك حين تتحدث عن سماعات المسجد المزعجة، يأتي من يتهمك بمحاربة شعائر الدين ومقدساته!. والسؤال هنا؛ هل الأذان يصل لقدسية القرآن الكريم الذي نهى النبي ?صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الجهر به في حديث «... لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن» لما في ذلك من أذية بعضهم البعض.

وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن ممنوعاً شرعاً لما فيه من أذية المصلين، فإن منع المبالغة برفع الصوت بالأذان والإقامة والصلاة الجهرية أولى حين تترتب عليه أذية جيران المسجد. يقول أحدهم؛ وهل تريدون أن يكون الأذان سريا؟! هذا السؤال «الجميل» يذكرني بمقولة ( اما حبى والا انسدح) وكأنه ليس هناك وسطية تجمع بين الأذان المزعج والأذان السري!.

ثم هل نفرق بين المقدس وغير المقدس وطريقة فعل المقدس؟ فالأذان عمل مقدس لكن طريقة أدائه ليست كذلك مع الأخذ في الاعتبار؛ إن الأذان لم يشرع إلا متأخرا عن فرض الصلاة، وإن الصلاة كانت تقام بدون نداء ولا إقامة في مكة ثلاث سنين قبل الهجرة وسنة كاملة في المدينة المنورة.

يعلم المتخصص في الشريعة ومن كان له اطلاع في هذا الجانب أن مسألة الأذان ليست من شروط الصلاة ولا من أركانها ولا من واجباتها.. وهي مجرد فرض كفاية لو قام بها شخص واحد لكفى مجتمعه بأكمله. المؤسف أن بعض المتحدثين في هذا الشأن لا يدرك معنى فرض كفاية فضلا عن عدم درايته بالفروقات بين الشرط والركن والواجب قبل أن يدلي برأيه.

إن القصص المذكورة في تنفير الناس من بيوت الله أكثر من أن تحصى، وأكتفي ببعضها:

يقول أحدهم، كنا جلوساً في غرفة طوارئ مستوصف وكان بجوارنا مسجد سماعاته تشق الآذان شقا، وتزعج المرضى والمرافقين أيضا. قال أحد المرافقين معلقا؛ هذا الوضع يشبه سماعات مسجد بيتنا، حيث كانت إحدى السماعات باتجاه شباك أمي المسنة. شرحت لمسؤولي المسجد دون جدوى مما اضطرني لأن أرمي السماعة من السطح لإعطابها، ثم يقومون بإصلاحها، ثم أرجع أرميها فتعطب أيضا، وهكذا، حتى أنهم ملوا واكتفوا بسماعة واحدة من جهة الشارع تغطي الحارة كلها وارتاحت أمي!

تقول إحدى الأخوات؛ ?مرة فزّت جدتي مذعورة على أذان الفجر ?و?كادت أن تطفأ روحها? من صوت سماعات المسجد المجاور، ?اتضح أنهم ثبتوا سماعات خارجية جديدة مزعجة في المسجد وجلسنا ندعي عليهم- بسبب هذه الفاجعة-. المؤسف أنه، وفي وقت العصر- اختصم الجيران مع المؤذن والإمام بسبب ما أحدثوه من إزعاج لأغلب الجيران. ?  ?