وليد الشهري
لا أحد ينكر أهمية القراءة ودورها في توجيه العقل والسير به نحو التطوّر والرقيّ على شتى المستويات، وتزويده بما يحتاجه من أدوات فعّالة من شأنها توسيع مداركه الفكرية، وتحفيز كوامن الإبداع فيه، وتطوير ملكته النقدية، وانتشاله من ظلمات الجهل والتخلّف إلى نور العلم والمعرفة، وبالرغم من ذلك لا تزال القراءة تشكو هجر الكثير من أبناء مجتمعنا لها -إن لم يكونوا الأكثر-، فهم يعترفون بفضلها، ولا يكاد أحدهم يجالسها إلا عابر سبيل أو مضطرا، وحين أتحدث عن القراءة فأنا أعني قراءة الكتب على وجه التحديد، فالجرائد والمجلات وتغريدات «تويتر» ومنشورات «فيسبوك» جميعها تُقرأ ويمكن الاستفادة منها، ولكن لا شيء يعدل قراءة كتاب!
لماذا نهدر الساعات تلو الساعات في التنقل بين تطبيقات أجهزتنا الذكية، وبين برامج التلفاز، وبين ألعاب الفيديو، وبين هذا الفعل أو ذاك، ثم حين نُسأل عن حظنا من القراءة نحاول التنصل بأننا لا نجد الوقت الكافي لها؟!
لو استشعرنا مدى ما تملكه القراءة من تأثير إيجابي ينعكس على كلام القارئ وسلوكه وإنتاجه وطريقة تفكيره وتصدّيه للمشكلات التي يواجهها خلال حياته، والذي يتجسد بدوره على مستوى المجتمع في هيئة حضارة وتنمية وازدهار على جميع الأصعدة، أقول لو استشعرنا ذلك لكانت القراءة جزءا لا يتجزأ من نشاطاتنا اليومية، تماما كالمأكل والمشرب!
ولا تتوقف أهمية القراءة عند هذا الحد، فقد ثبت أن للقراءة مساهمة في علاج الأمراض النفسية والبدنية، وهذا الأسلوب في العلاج يُعرف بـ«الببليوثيرابيا»، حيث يُوصف للمريض الكتاب كدواء يتمكن خلاله من التغلب على أدوائه، ولهذا نجد المكتبات تهيمن على المستشفيات حول العالم، وليس ذلك لمجرد الترفيه عن المراجعين أثناء انتظارهم لمواعيد دخولهم على الطبيب، وإنما كجزء من العلاج الذي تُعنى به المستشفيات، وللقراءة أيضا إسهام في تحسين الحالة النفسية والمزاجية للقارئ، ولذلك يقول الفيلسوف الألماني «آرثر شوبنهاور»: «لم تمرّ بي أبدا أية محنة لم تخففها ساعة من القراءة».
ماذا لو علمنا بوجود كنز يمنح من يحصل عليه ثراء معرفيا، وفكرا متنوّرا، وذهنا متوقّدا، واطّلاعا واسعا، وتعاملا حكيما، وسلوكا مهذّبا، وخُلقا ساميا، وطلاقة لسان، وفصاحة بيان، وقوّة حجة، وحسن تدبير، وعافية وصحة، وما لا يخطر لنا على بال؟! ما الذي سنفعله؟!
سنستنفد بالتأكيد كلّ ما نملك من جهد ووقت ومال في سبيل نيل ذلك الكنز والظفر به، فما بالنا نهمل القراءة وقد علمنا أنها الكنز المنشود ؟! علما بأنها لا تطلب منا أكثر من أن نمنحها القليل من الاهتمام، على الأقل.
ختاما.. إن خصصنا لو النزر اليسير من أعمالنا اليومية في قراءة بضع صفحات من كتاب، سنرى بعد زمن الأثر الإيجابي الواسع لذلك الفعل على أنفسنا وحياتنا ومجتمعنا ووطننا، وسيراه الآخرون أيضا، لذلك فلنقرأ.. ولنرتقِ!