المرأة السعودية اليوم ليست هي المرأة قبل خمسين سنة، تلك المرأة التي كانت تنتظر الرجل كي يحل لها جميع مشكلاتها. المرأة في بلادنا اليوم بلغت أعلى درجات السلم التعليمي تأهيلا وتدريبا، وباتت تمتلك الخبرات الثرية والمهارات النادرة والثقافة العالية في شؤون الحياة حتى بزت وفاقت معظم الرجال ولوت الأعناق فأجبرت مجتمعها الذكوري على الاعتراف بإمكاناتها وقدراتها.
أثبتت قدرتها على النجاح والتفوق عمليا، حيث تتبوأ مكانتها باحثة وأستاذة جامعية وطبيبة ومهندسة ومستشارة وسيدة أعمال ومعلمة تقود الواعدات من بنات جيلها إلى طريق المستقبل. برهنت بالأدلة القاطعة على أنها ليست قاصرة تحتاج لمن يقودها ويكون وصيا عليها فيدافع عنها بحجة حمايتها من المتسلطين، أو يقف ضد نموها وتطورها ومشاركتها لمجتمعها تحت ذريعة الخوف عليها من الاختلاط قبل إقرار مصطلح التلاحم الجسدي ضمن محظورات العمل وضوابطه الصارمة وكأن ميادين العمل قد تحولت إلى ملاعب ومسابح لا يؤمن فيها حدوث التلاحم، فها هي تقود حاليا أكبر المؤسسات وتشارك في المؤتمرات داخليا وخارجيا دون أن تقع تحت ضغوطات الوساوس والأوهام.
وصلت المرأة إلى هذه الدرجة العالية ورغم ذلك ما زالت تحت وصاية الرجال، يتحدثون بالنيابة عنها. صارت قضيتها مثل الكرة تتقاذفها التيارات المختلفة. وقعت بين من يرى منحها كامل الحرية في كل أمورها إلى من يرى التوسط إلى اتجاه أكثر تطرفاً يطالب بأن تقر في بيتها ولا تغادره إلا للحاجة وداخل صندوق مغلق.
أمام الاتجاهات الذكورية المتباينة ضاعت الحقوق وتحولت إلى موضوعات طريفة لسجالات فكرية تبدأ ولا تنتهي، وكل يدعي حرصه الشديد على المرأة. أمام هذا السجال الساخن وقفت المرأة مكتوفة الأيدي، معقودة اللسان، مكتفية بالفرجة على ما يحدث دون التعليق إلا من أصوات خافتة يبوح بها قلم كاتبة أوصوت ناشطة، أما البقية فإما راضيات عن الوضع أو محبطات أوسلبيات أو يائسات.
لن نجد أجدر من المرأة كي تتصدى للمطالبة بحقوقها والحصول عليها. حقوقها الشخصية والمدنية، وحقوقها في العمل وتولي شؤونها بنفسها. وجود نساء حقوقيات في القضاء ومحاميات وعضوات في مجالس الدولة المختلفة وناشطات في حقوق الإنسان واعتماد المرأة شريكة أساسية في صنع القرار سيقوي صوت المرأة ويزيد نبراته لتطالب بحقوقها وتحصل عليها بنفسها دون الحاجة للأوصياء والدخلاء.