عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حُنَين ونحن حُدَثاء عهد بكفر، وللمشركين سِدْرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط. فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبُن سَنَنَ من كان قبلكم» رواه الترمذي وصححه، وعن المعرور بن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهباً، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قيل: يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هم يأتون يصلون فيه، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم وصالحيهم فيتخذونها كنائس وبيعاً –يعني أماكن للصلاة- من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل فيها وإلا فلا يتعمدها. صححه ابن تيمية والألباني.

مما تقدم: يتضح أن التبرك بالأحجار والأشجار ونحوهما أعمال شركية، لعدم ورود الدليل الشرعي على بركتهما، فضلا عن جواز التمسح بهما ابتغاء البركة والشفاعة، بل إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بقطع شجرة يقال لها شجرة الرضوان، لما رأى بعض الناس يتقصدونها للصلاة خلفها، مع أنهم لم يتمسحوا بها، وإنما يصلون لله تحتها، ولم يعرف لعمر رضي الله عنه مخالف ولا منكر على فعله من الصحابة رضي الله عنهم، فعدّ ذلك منهم إجماعاً، ولم يتحذلق أحد – كبعض أهل زماننا - ويقول، يلزم من إزالتها، إزالة جبل ثور، فهم أجل من إيراد مثل هذه القياسات الفاسدة، التي هي من تلبيس إبليس، لعلمهم أنه لا قياس مع الفارق، وقد كان النبي إبراهيم عليه السلام يحطم تلك المشاهد التي يدعونها من دون الله، كما قال تعالى: (فراغ عليهم ضربا باليمين)، وبعض من لم يعرف التوحيد، يظن أن الممنوع هو فقط: اعتقاد أنها هي النافعة الضارة وليس الله، وأما من اتخذها فقط للشفاعة فجائز، وهذا الظن فاسد، فالمشركون يعتقدون أن الله هو النافع الضار، كما تدل على ذلك الآيات الكثيرة، ولكنهم اتخذوا الأولياء ونحوهم ليقربوهم إلى الله زلفى، كما قال تعالى: (ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللّه زلفى إن اللّه يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن اللَّه لا يهدي من هو كاذب كفار) فحكم بكذبهم وكفرهم، وقال تعالى: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير* إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) فوصف فعلهم شركا.

وأي عقول هذه التي تتبرك بالأحجار والأشجار وتعتقد فيهما النفع؟ ولو لم يعتقدوا فيها النفع ما تبركوا بها.

وأما التبرك المشروع: فهو ما ورد فيه دليل شرعي، سواء أكان بركة ذات وما ينفصل عنها من شعر وعرق، وهذا خاص بالأنبياء والمرسلين لا يقاس عليهم غيرهم، حتى أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وهذا النوع انقطع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولا يوجد منه شيء اليوم على وجه اليقين، وكل من ادعى أن لديه شيئا، فإنه ليس لديه بينة على دعواه، أو كان بركة عمل واتباع، مثل القرآن الكريم، فقد قال تعالى: (كتب أنزلنه إليك مبارك)، فمن بركته أن من أخذ به حصل له النصر، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات، وهكذا المسلم مبارك، وبركته تعني نفعه، كما أن النخلة نافعة، بثمرها وكل أجزائها ينتفع بها الناس، ففيها بركة، وفي هذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (وإن من الشجر –يعني النخلة- لما بركته كبركة المسلم)، وليس معنى بركتها التمسح بها وطلب البركة أو الشفاعة منها، وهكذا ما جاء في قول أسيد رضي الله عنه: (ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر)، قاله لما انحبس الناس يبحثون عن عقد عائشة رضي الله عنها، واحتاجوا إلى الماء، فنزلت آية التيمم، ومعلوم أن أسيداً رضي الله عنه لم يتبرك هو ولا غيره بذات آل أبي بكر رضي الله عنه، وإنما المعنى أن الله جعل إنزال آية التيمم، عند حاجتهم للماء، لما انحبسوا يبحثون عن عقد عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها.

فإذا كان لا يتبرك بذات من جاء الحديث أن فيه بركة، ولا يُتبَرك بكل أرض وطئها رسول الله أو مكث فيها، ولم يقل بذلك أحد من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فكيف يُتبَرك بأحجار وأشجار لم يدل الدليل على أن فيها بركة، فضلا أن يُطلب التمسح بها وطلب الزلفى منها إلى الله.