تواجه منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية فضيحة متفاقمة في وسائل الإعلام، تتعلق باتهامات طالت إخفاء المنظمة نتائج تحقيق داخلي في مزاعم قيام بعض العاملين فيها بأعمال لا أخلاقية خلال ممارسة عملهم في تسليم مواد الإغاثة الإنسانية في هايتي عام 2011.
نتج عن هذه الفضيحة حتى الآن استقالة نائب الرئيس التنفيذي في المنظمة؛ التي قالت إنها تشعر بالخجل! وكانت مسؤولة سابقة في المنظمة اتهمت رؤساءها بتجاهل الأدلة التي قدمتها، ورفض تخصيص موارد لمتابعة التحقيق والتستر على اتهامات بالاغتصاب طالت أحد العاملين، مما دفعها إلى الاستقالة.
هذه الواقعة ليست فريدة من نوعها في سجل عمل المنظمات الدولية، الإغاثية أو غيرها من المنظمات التي يعمل بعضها تحت راية الأمم المتحدة بما فيها قوات حفظ السلام الدولي؛ فقد تعرضت منظمات كثيرة لفضائح أخرى مشابهة.
لم تلتفت وسائل الإعلام البريطانية لموضوع الفيلا المستأجرة لمدير فرع المنظمة في هايتي بالطبع، إذ يبدو أنه سلوك اعتيادي وطبيعي تمارسه كافة المنظمات الدولية! فأن تخصص «أوكسفام» فيلا لمديرها لتنسيق صرف مساعدات شحيحة لضحايا زلزال ينامون في العراء ولا يجدون ما يأكلونه لا يندرج في إطار أي نوع من الفضائح!
هذا سلوك معتاد! لذلك لم يتوقف عنده أحد، فبالعين المجردة ودون الحاجة إلى مجهر يمكن أن تلاحظ أن غالبية موفدي المنظمات الدولية لمساعدة الضحايا الذين يموتون من الجوع، أو من نزيف الدم أثناء الحروب، أو من التشرد نتيجة الكوارث الطبيعية؛ يسافرون على فئة الدرجة الأولى على الأقل، إن لم يكن في درجة الأعمال، ويسكنون في فنادق خمس نجوم أو في فلل فخمة تستأجرها المنظمات بأسعار مضاعفة عن سعرها الطبيعي! لا نتحدث هنا عن الفساد داخل هذه المنظمات الذي يكشف عنه دائما في وسائل الإعلام، ولا عن فساد المقاولين المحليين الذين ينفذون الأعمال لصالح هذه المنظمات، بل عن سلوك اعتيادي لا يتوقف عنده أحد، ويستنزف جل الموارد الشحيحة المخصصة لإغاثة ضحايا! ومن يبحث في السجل الاقتصادي لتاريخ هؤلاء المديرين والموظفين سيجد أن بعضهم كان يعيش في غرف لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار، ويسافر في أرخص القطارات؛ قبل أن ينتقل إلى عالم الرفاهية على حساب الضحايا والمشردين الذين غالبيتهم من سكان العالم الثالث المنكوب بشكل دائم!
سلوك الرفاهية الاعتيادي، الممارس على نطاق واسع في جميع المنظمات الدولية، يبدو مخجلا أكثر من أي فضيحة، بل أكثر من فضائح الفساد. فالصورة المشرقة لموظفين من منظمات دولية أو إغاثية يوزعون الإغاثة أمام العدسات، يقع خلفها عالم أسود وقبيح وعنصري أيضا.
فبعد أي كارثة إنسانية تقع في العالم الثالث عادة، تتحرك الدول المانحة؛ والتي منها دول الخليج العربي، لإقرار مساعدات عاجلة للضحايا لمواصلة الحياة والنجاة من موت محتم في بعض الأحيان. وبغض النظر عن أن هذه المعونات تسد نسبة ضئيلة من الاحتياجات الحقيقية، إلا أن الرقم الدفتري لها يبدو ضخما، وهو ما تتعامل معه المنظمات الدولية والخيرية على شاكلة العمل التجاري، فتسعى كل منظمة للحصول على حصة من هذا الرقم الذي يسيل له اللعاب.
إن الأرقام المعلنة في وسائل الإعلام من الدول المانحة لمساعدة ضحايا الكوارث وهي بالمليارات تذهب في مجملها إلى جيوش الموظفين في المنظمات الدولية والإغاثية، وهم في نسبتهم الغالبة من الغربيين! حتى في ظل عدم وجود فساد مالي أو هدر تستولي هذه المنظمات على المليارات لسد حاجيات موظفيها أولا! وما يفيض عن ذلك يرسل للضحايا الذين جمعت الأموال باسمهم، وهو ضئيل جدا، لكنه ضروري ولازم لتستمر هذه المنظمات بجمع الأموال باسم الضحايا، لتطعم موظفيها وجبات فاخرة من الطعام الآسيوي الذي أصبح شائعا في الغرب، وتحجز لهم رحلات الدرجة الأولى وفنادق الخمس نجوم والفلل!
هذا لا يناقشه الإعلام الغربي! يبدو أنه طبيعي ولا يثير حتى التساؤل أن يترفه العاملون الغربيون على حساب الضحايا الذين هم مجرد أرقام من العالم الثالث، لا يعنون شيئا سوى منح هذه المنظمات مبررات الوجود.
لا أتحدث فقط عن مشاهداتي خلال الكارثة السورية، بل خلال بحث أجريته في قسم العلاقات الدولية في جامعة مالمو السويدية، عن «مشروع الاستجابة الطارئة لمنظمة الهجرة الدولية للأزمة الإنسانية السورية» اكتشفت أن هذه المنظمة التي بالكاد يسمع باسمها أحد، وبالكاد يسمع بنشاطها أحد، لديها جيش من الموظفين يبلغ تعداده تسعة آلاف موظف! يقومون بأعمال هامشية تندرج تحت ولاية منظمات أخرى كالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. لكن هذا الجيش يعتاش بشكل معلن وقانوني على المساعدات الشحيحة وغير الكافية المقدمة من المانحين لإسعاف اللاجئين. أليس هذا فساداً أخلاقياً أكبر من كل الفضائح الجنسية والفساد المالي والهدر الذي يطال هذه المنظمات بين فينة وأخرى. علماً بأن ما يصل إلى الإعلام الغربي من هذه الفضائح هو ما لا يمكن ستره! فنطاق عمل هذه المنظمات هو العالم الثالث الذي لا يقع في اهتمامات متابعي وسائل الإعلام في الغرب.