أظهر تقرير لمركز «ماكرو» الاقتصادي الإسرائيلي، أن الصرف الحكومي الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين، في كافة مجالات الحياة، يتجاوز ضعفي نسبتهم من بين إجمالي السكان في إسرائيل. وهذا يبرز بشكل خاص في البناء الحكومي في المستوطنات، إذ كانت حصتها 2ر10% من إجمالي البناء الحكومي في عام 2016، بينما نسبة المستوطنين 5ر4% من إجمالي السكان في إسرائيل، وهذه النسبة لا تشمل المستوطنين في الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة.
وقدر عدد المستوطنين في الضفة المحتلة بنحو 400 ألف مستوطن، يضاف إليهم 210 آلاف مستوطن في القدس المحتلة منذ عام 1967، وبذلك يكون عدد المستوطنين الإجمالي 610 آلاف مستوطن.
كما توظف حكومة الاحتلال ميزانيات وموارد أكثر لبناء «مبان عامة» في المستوطنات، فمنذ عام 1995 وحتى عام 2016 كان 36% من البناء الحكومي في المستوطنات «مباني عامة»، بينما النسبة في جنوب البلاد، التي تعاني ظروفا اقتصادية اجتماعية أسوأ من باقي المناطق، 5ر28%، وهذا يدل على التفضيل الكبير للمستوطنات والمشروع الاستيطاني بشكل عام في توزيع الموارد العامة.
بالمقابل، يعاني كثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية من تبعات ثالوث البطالة والفقر والبؤس التي تفاقمت خلال العقود المنصرمة من الزمن، وعلى نحو خاص نتيجة مخلفات اتفاقية أوسلو المؤقتة الموقعة في عام 1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي تم بموجبها تقسيم جغرافية الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق:
1. (منطقة A) تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة (أمنيا وإداريا)، وهي تشكل ما نسبته 18% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
2. (منطقة B): تقع فيها المسؤولية عن النظام العام على عاتق السلطة الفلسطينية، وتبقى لإسرائيل السلطة الكاملة على الأمور الأمنية، وتشكل نسبتها 18.3% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
3. (منطقة C) وتقع تحت السيطرة الكاملة الإسرائيلية، وتشكل 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية. وتحتل هذه المنطقة المستوطنات والجدار العنصري العازل ونقاط التفتيش.
ولم تترك السيطرة الإسرائيلية للفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة C بعد تدمير مصادر دخلهم من المراعي والمزارع سوى فرصة صغيرة جدا للعمل وإعالة أنفسهم، تتمثل في خيار العمل في المستوطنات نظرا لأن الوصول إليها أسهل بكثير من الانتقال إلى بعض المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية. رغم ما يصاحبه من المخاطر التي تقل نسبيا عن المخاطر التي تحملها الطرق الأخرى، وتتضمن تسلقا لجدار الفصل بشكل مباشر، والمرور أمام أبراج المراقبة العسكرية الإسرائيلية، والتعرض لإطلاق النيران أو الاعتقال إذا ما ألقي القبض عليهم.
ولا يتجاوز عدد الفلسطينيين الذين يعملون بشكل قانوني في المستوطنات 30 ألف فلسطيني يعمل بشكل قانوني في المستوطنات. وعمل هؤلاء الفلسطينيين محفوف بمخاطر التعرض لإصابات جسدية، والحصول على أجور رخيصة قسرا، تكون أقل من الحد الأدنى لأجر العامل وفق القانون الإسرائيلي نفسه، فضلا عن تعرضهم يوميا للتهديد والاستغلال على يد من يشغّلهم والوسطاء والجنود الإسرائيليين.
ولدى الحكومة الإسرائيلية وأصحاب العمل في المستوطنات رغبة كبيرة في أن يعتقد الرأي العام العالمي أن ظاهرة الفلسطينيين العاملين في المستوطنات هي إيجابية، إذ إنها تظهر أن الجانب الإسرائيلي يمدّ يداً حانية لهم تمنحهم الأجور، وتحسّن حياة نظرائهم المعدمين والمحتلين. هذه الصورة الوردية تجعل الآخرين يعتقدون أن مثل هذا الشكل من العمل يدعم التعاون، وأنه يعد شعلة من الأمل في صراع يمتدّ سبعة عقود، وبالتالي لا بد من تشجيعه.
ويبدو أن ظاهرة العمالة الفلسطينية في المستوطنات تمثل شكلا جديدا وبشعا من العمل الجبري الذي يرعاه الاحتلال الإسرائيلي، لمواصلة عملية بناء المستوطنات ورعاية المستوطنين.