الجنوسة وتسمى أيضا بالنوع الاجتماعي أو الجندر، تعرف بأنها مجموع الصفات الموجودة في الذكورة وتلك المرتبطة بالأنوثة، وتعد الجنوسة مفهوما لما هو ذكوري وما هو أنثوي دون أن يكون ذلك بالضرورة مرتبطا فعليا بالجنس البيولوجي للإنسان، ذكرا كان أو أنثى. فقد تكون نتيجة غرس ثقافي وبناء متوارث حول ما تعني الذكورة وما تعني الأنوثة. وتكمن أهمية الحديث عن الجنوسة كمجال علمي في أن دراستها تستطيع كشف وفهم البُنى الاجتماعية ومراكز القوة بين الناس، وعما إذا كانت علاقاتهم غير متماثلة وغير متكافئة. والدراسات حولها تمنح أيضا من يقرؤها ويتعلمها الأدوات الضرورية لدراسة المجتمع والثقافة بشكل ناقد دون إهمال التفاصيل الصغيرة التي تتكرر في ممارسات الناس اليومية، ومن ثم نقض ودحض التنميطات المتعلقة بالرجل والمرأة. لهذا السبب ترتبط دراساتها بالمختصين في الإعلام والمحتوى وحتى الفنانين والأدباء المهتمين بدراسة حالة جمهورهم المستهدف وتحليله علميا. من خلال الفهم الجيد للجنوسة ومعالجة إشكاليتها يتمكن أفراد المجتمع من التخلص من الأعباء النفسية والتوقعات التي ينصبها الناس لبعضهم، ولعل دراستها في مجتمع بعينه تساعد أيضا على تسريع عجلة التنمية الوطنية، فهي سبيل لا مناص منه لحل المشاكل ذات الأبعاد والخلفيات الاجتماعية.
فيما يتعلق بالجنوسة والمرأة العربية فقد كتب الدكتور عبدالله الغذامي أن «المرأة في حكايات العشق هي كائن مجازي غير مشخص، وهي حزمة من الصفات الجسدية والمعنوية تتكرر في كل حكاية بلا اختلاف أو تميز شخصي أو بيئي أو طبقي أو ظرفي، وكلهن واحدة، بل إن الخطاب الشعري العربي يدور حول عدد محدد من الأسماء أحصاها ابن رشيق مثل: ليلى وهند وسلمى ودعد ولبنى وعفراء والرباب». والمشكلة هنا، حسب كتاب الدكتور «الجنوسة النسقية»، هي أن نتيجة هذا الغياب الأنثوي جوهري، فإن كل ما أتاحته لنا حكايا الهوى العربية يتمثل في تصور الرجل عن المرأة، وتصور الرجل لذاته التي تعشق المرأة «مع غياب تام لتصور المرأة لذاتها ولتصورها للرجل». وبالتالي، وفقا للدكتور الغذامي، فإن حكايا الهوى العربية «لا تمدنا بمادة ذات بال عن خطاب للمرأة كإنسانة وكمعبرة عن موقفها الوجودي والإنساني، وكل ما نجده فيها هو خطاب الرجل أو خطاب مسترجل». وما جاء به الدكتور هنا هو تماما ما تتمحور حوله معظم دراسات الجنوسة والجندر، ليس عربيا فحسب، بل عالميا. وهناك حاجة ماسة للمزيد والمزيد من المؤهلين في تثقيف المجتمعات بهذا الشرخ الثقافي الموجود في نظرتنا للمرأة، والذي قد يكون مرتبطا بقضايا أكبر وأكثر مصيرية ذات مرجعية للمرأة..
بعيدا عن السياق العربي الأدبي للجنوسة الذي كتب عنه الغذامي، إذا نظرنا للجنوسة في الإعلام السعودي فيمكن وصف المحتويات المتواجدة لدينا في المنصات الإعلامية، سواء كانت ورقية صحافية أو متلفزة أو رقمية، بأنها لا تقوم بدور أكثر من تعزيز مفاهيم الجنوسة الموجودة شعبيا وتاريخيا. ويندر جدا رصد أي محاولة لتحدي أو مشاكسة الجنوسة وتنميطاتها، حتى لو كانت محاولة التحدي والمشاكسة هنا تتوافق مع المصلحة العامة مثل تمثيل الأم المهنية إعلاميا بشكل إيجابي، بل على العكس يتم تكرار تمثيل المرأة بشكل تقليدي (حريمي) وإبعاد العاملة عن الشاشة أو تمثيلها بشكل سلبي، وحتى الرجل فهو الآخر تلاحقه أعباء مالية وتوقعات سلطوية لا تعد ولا تحصى، تعززها كثير من المحتويات الإعلامية محلية الصنع. كل تلك أمور مرتبطة بالجنوسة نستطيع مناقشتها إعلاميا، لكني لا أرى أننا نقترب من هذه المنطقة، وبشكل غير مفهوم نعتبرها خطا لا يمس، مما جعل صانعي المحتوى لدينا يفتقرون للحسّ النقدي عند نظرتهم للأنوثة والذكورة، ويكتفون بالموجود والمتعارف عليه على عكس المنتجين وصانعي المحتوى الغربيين الذين يضعون قضية الجنوسة نصب أعينهم كأمر قابل لإعادة الصياغة، وذلك عند الشروع في أي عمل إعلامي، بما في ذلك الأفلام السينمائية والإعلانات والمسلسلات والبرامج وغيره.