لم ألتق الأمير خالد الفيصل وفقه الله في حياتي، ولكن الله يعلم أني أحبه، لا لعرضٍ من الدنيا، وإنما لله، والحب في الله من أوثق عرى الإيمان، وما كان لله يبقى، وما كان لغيره يفنى.
هذا الأمير الموفق يا من تُشغبون عليه: ينفي عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وليس هذا بمستغرب عليه، فالشيء من معدنه لا يستغرب، أليس أبوه هو فيصل العظيم، الذي ملأ الآفاق مجدا وعزا، أليس جده هو عبدالعزيز المؤسس العبقري الحكيم، الذي جمعنا بعد الفرقة، ووحَّدنا بعد الشتات، أليس جده الأول هو محمد بن سعود، الذي نشر التوحيد الخالص لله، وأزال الممارسات الشركية، والمخالفات البدعية، ولذلك فجهود سموه إنما تأتي في سياق جهود آبائه.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ** إذا جمعتنا يا جرير المجامع.
لست بصدد سرد مواقف الأمير خالد الفيصل في نصرة السنة وأهلها، وقمع البدعة وأهلها، فهي كثيرة ومعلومة، وما لم يظهر منها فإن علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.
يعجبني كثيرا في الأمير خالد الفيصل (الاعتدال)، فلا إفراط ولا تفريط، لا يسمح لأحد أن يختطف سماحة الإسلام لتوجهاتٍ حزبية، فلا حزبية في الإسلام، إذ الأحزاب كالميازيب تجمع الماء كدرا، وتفرقه هدرا، والإسلام أسمى من أن يُتخذ سُلما لمآرب حزبية، صحيح أن الحزبيين يغضبون على من تفطَّن لحركاتهم وأهدافهم، فيُكثرون عليه الصخب والضجيج، ويتخذون دعوى الغَيرة على الدين وسيلة لإثارة الرعاع الجهال على من خالف توجهاتهم الحزبية، بأنه ضد الدين، وضد القرآن، وضد الصالحين... الخ أسطوانتهم المشروخة، هذا هو دأبهم، وهذا ما درسوه في محاضنهم الحزبية في الأودية والشعاب ومنابت الشجر ونحوها، وهذا هو منهجهم في تربية الشباب المسكين الذين يسمونهم غوغاء، وفي هذا يقول أحد قادتهم: (نعم الغوغاء يُشْغَب بهم على ولاة السوء، ويُسد بهم السيل)، هذه مكانة الشباب عندهم يشغب بهم على ولاة الخير، الذين يصفونهم: بالسوء لكونهم لم يسمحوا لهم باختطاف الإسلام لمآربهم الحزبية، ويُسد بهم السيل، وكأنهم مجرد أخشاب لا قيمة لها، إلا محرد اتخاذهم أدوات، ولكن شغبهم بحمد الله في تباب، فلا يصح إلا الصحيح، كما قال تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
وكما أن الأمير خالد الفيصل وفقه الله بذل جهدا كبيرا في حماية الدين من اختطاف الحزبيين، فهو كذلك بذل جهدا كبيرا في حماية الدين من عبث العلمانيين والليبراليين، الذين لا همّ لهم إلا مناكفة الشريعة الإسلامية، وتهوينها في النفوس، وذلك بسبب انهزاميتهم وانبهارهم بالغرب، الذين لو دخلوا جحر ضب لدخلوه معهم، فتفطَّن الأمير لدسائسهم وعدوانهم وجنايتهم على الشريعة، وإن زخرفوا القول، فالعبرة عند الأمير خالد بالحقائق وليس بالدعاوى، وفي هذا يقول سموه الكريم: (وشجعوا التغريب الفكري... إلى أن قال: ونقلناها بكل سذاجة، وسميناها تنويرية)، هكذا يقلبون الحقائق، وإلا فالنور الحقيقي إنما هو باتباع العقيدة الصحيحة، (يهدي الله لنوره من يشاء)، (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور).
وأما الغرب فنتعامل معهم بالعدل، كما قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، ونستفيد مما تميزوا به من تقنية وصناعات ونحوهما، ولكن مع المحافظة على ديننا وهويتنا، وعدم الذوبان مع الآخر.
فالأمير وفقه الله يسلك طريق الاعتدال والوسطية التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقامت عليها هذه الدولة السعودية في جميع أدوارها الثلاثة، جزاه الله خيرا، وضاعف مثوبته، وجعل ذلك في موازين حسناته يوم يلقى ربه.
وكثيرا ما يؤكد الأمير خالد على المحافظة على الهوية، والاعتزاز بالدين والوطن وولاة الأمر، ولغتنا العربية الخالدة، وقد وصلتني رسائل بـ«الواتساب» لا أحصيها من بعض المشايخ وأساتذة الجامعات وغيرهم من عامة الناس، يدعون الله بالتوفيق والجنة، للأمير خالد الفيصل، لتوجيهه بإزالة كل ما يُتبَرك به من أحجار وأشجار، حماية لجناب التوحيد، من الأوهام والخرافات، فقلت: إن ذلك غير مستغرب أبدا، ذلك أن آل سعود هم أنصار التوحيد والسنة، ولذلك لم يكن قول العلامة ابن باز رحمه الله: (العداء للدولة السعودية عداء للتوحيد) إلا عن بصيرة ومعرفة لما يقوم به ولاة الأمر في هذه الدولة السعودية المباركة.
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهد الأمين الأمير محمد بن سلمان، وسمو الأمير خالد الفيصل، وأدام توفيقهم للخير.