«النجاح لا يكفي، يجب أن يفشل الآخرون»، قالها غور فيدال، المشهور بالسخرية اللاذعة، ولكن لنفكّر قليلا، أليس الفشل طريقا يمرّ به الجميع؟
الذي يحصل أن الناجح هو من يعاود الوقوف والاستمرار لعدة مرات، حتى يصبح الأمر أقرب إلى مصلحته، بينما الآخرون يتملّكهم اليأس، ويتركون الحلبة، وهنا في خضم السباق كي تنجح يجب أن يفشل الآخرون، ويتراجعوا قبل أن تفعل أنت، بمعنى ألا تسمح لفشلك بأن يحبِطك وينهيك قبل أن تصل.
جميل، لكن هل هذا التفكير أخلاقي؟ هل هذا يعني أن نسهم في فشل الآخرين؟ هل يعني أن نراقب ونستغل فشل الآخرين؟ أم هل يعني أن نسعد لأنه بفشلهم قد نظهر؟ هل هذا ما كان يقصده فيدال؟
قبل أن نحكم، علينا أن ندرس ونتدبر الأمر أكثر، لأنه قال أيضا: «في كل مرّة ينجح صديق شيءٌ ما ينطفئ داخلي»!
لماذا يسعد البعض بسوء حظ الآخرين أو فشلهم؟
في الغالب، ليس لأنه يكره هذا الآخر، بل ربما يكون صديقا أو شخصية مقرّبة، لكن سوء حظ الآخر قد يعود بفائدة عليه بشكل أو بآخر، وربما يظهر ما يمتلكه من سمات تفوّق وتميّز عن هذا الآخر!، ليست مشاعر سلبية أو عدم اهتمام بما يجري داخله، لكنها فرصة لم تكن له يد فيها، وليس باستطاعته عمل شيء ليغيّرها.
هنا يشعر في داخله بارتياح، لأن أمامه بابا قد فُتح، وما عليه سوى الدخول، لأن هذه اللحظة أصبحت ملكا له.
أحيانا، ربما يسعد المرء بسوء حظ الآخر أو فشله، لأنه حسب وجهة نظره، كان يستحق ذلك.
لنأخذ مثالا على ذلك، فقد تكون أنت في طريق تقود مركبتك، وفجأة يدخل عليك آخر بطريقة كادت أن تؤدي بك إلى حادث، ولكن الذي جرى أنه ما لبث أن اصطدم بعمود، فتمرّ به وأنت تبتسم لأنه أخذ جزاءه.
لحظة فرح في موقف يتطلب الشعور بالتعاطف والحزن ربما، وقس على ذلك حالات كثيرة نحكم على الموقف بأنه جزاء، وكلما كان الفشل أو سوء الحظ أقوى، ومطابقا لما نراه من مخالفة أو تعدٍّ، كان رضانا أكبر!.
وأحيانا تتحول هذه المشاعر إلى شفقة، حتى وإن ضربت المصيبة شخصية ظالمة مستبدة ومتكبرة.
يوجد فرق واضح بين أن تتمنى أن يتعرض لِما قد يقهره ويضربه في كبريائه، وبين أن يفقد فلذة كبده أو عزيزا عليه لمرض عضال أو حادث أليم.
وهنالك فارق كبير بين الشماتة وبين الارتياح في هذه الحالات.
الشماتة والعمل على استغلال سوء حظ الآخر بالتشهير والاستهزاء، وكل ما شابه ذلك من سلوكيات سلبية، تقرّب المرء من الساديّة.
أما الارتياح وما يصاحبه من فرح بسيط مقترن ببعض تأنيب الضمير، فهو إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنك تنتمي إلى البشرية، المهم هنا أنه لم تكن لك يد في الموضوع، وعليه فإنّ أي عملية جلد للذات لا تفيد بل تعطّل وتشوّش!.
الأمر الذي يجب أن يُدرَك تماما، هو عدم اللجوء إلى التمثيل وافتعال الحزن الشديد والأسف، في حين أنك أول المدركين أن الأمر جاء لمصلحتك، هنا يدخل الأمر في إطار الرياء والتزوير للمشاعر، ليس المطلوب منك أن تخبره بأنك مرتاح لِما حصل له، ولكن ليس المطلوب منك أيضا أن تفتعل المشاعر، وتظهر وكأنك تعيش معه المأساة، في حين أن نجاحه في الأصل -سواء اعترفت به أم لم تعترف- لنفسك على الأقل، قد يطفئ شيئا ما داخلك!
هنا، يجب أن نتنبّه إلى أنك لم تتمنّ له الفشل أو سوء الحظ، ولكنه حصل، ولم يكن من صنع يدك، أو خلال أي تدخل منك، فماذا تفعل كي تسكت ضميرك الذي يؤنّبك لأنك شعرت بشيء من الفرح والارتياح؟ تبالغ في إظهار مشاعر الحزن والتعاطف؟! هل تغطي هذه تلك؟! للغير قد تمر، لكن لديك ستبقى وستؤثر عليك إن لم تتدارك الأمر وتعترف بأنها مشاعر طبيعية.
نحن في النهاية بشر، وقد تحدث داخلنا أمور لا نريد أن نعترف بها أو نسمح لها بالظهور، حتى فيما بيننا وبين أنفسنا، وطالما أننا لم نؤذِ أو نتسبب في أذيّة أحد، لا يجب أن نعذب أنفسنا ونحاسبها على مشاعر قد تفلت من بين الأضلع وتخاطبنا.
عندما حصلتَ على الوظيفة كان ذلك بسبب أنه فشل آخرون في المقابلة الشخصية أو المتطلبات، وعندما فزتَ في المسابقة فشل غيرك، عندما نجح برنامجك أو كتابك أو قُبِلت مقترحاتك أو حتى تقدّمك في مركز ما، هنالك آخرون فشلوا في ذلك، ولهذا وصلتَ أنت، لا يعني أنك لم تجتهد أو تتجهز أو لم يفعلوا ذلك هم أيضا، ولكن بفشل الآخر ظهرت وكسبت، ومرة أخرى أكرر لمن قد يدخل ويعترض بأن هنالك ظروفا أخرى تدخّلت كالواسطة أو التخريب، هنا أصبح الأمر تابعا لقضية ثانية تماما، الشرط الوحيد الذي يجب التشديد عليه، أن فشل الآخر لم تكن لك يد فيه!.
في النهاية، حسابُ الوجدان عليك، فلا تعتدِ ولا تفترِ على أحد، ولكن كن طبيعيا وابتعد عن جَلْد الذات.