بعد 13 عاما على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري ها هو لبنان يسير من سيئ إلى أسوأ، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، بل وصلت الأوضاع في هذا البلد الذي ضحى الحريري بروحه من أجله، وعمل دون كلل أو ملل على إعادة إعماره وتعليم أبنائه، إلى الحضيض، بسبب السياسات التي اتبعها حزب الله، وسعيه الدائم للسيطرة عليه، وتحويله إلى جزء من ولاية الفقيه الإرهابية.
عندما تم الإعلان عن اغتيال الرئيس الشهيد خرج آلاف اللبنانيين إلى الطرقات، وانتفض الصغير قبل الكبير من كافة الطوائف، واتحدوا وكانوا بصوت واحد يطالبون بخروج الجيش السوري من لبنان، وحققوا هذا الهدف في فترة وجيزة جداً، وكانت هذه الخطوة الأولى على طريق الحرية والسيادة والاستقلال، ولكن ما بدأه الشعب اللبناني من ساحة الشهداء لم يكتمل ولم يحقق أهدافه كافة، فغادر الجيش السوري جسداً وبقيت روحه بصورة مختلفة متمثلة بحزب الله وسلاحه، الذي أظهرت السنوات اللاحقة أنه أخطر على لبنان من الجيش السوري نفسه، وأن مشروعه يفوق كل المشاريع التي سعت إلى السيطرة على هذا البلد، بل تمتد هذه المشاريع إلى تسليم قرار السلم والحرب في لبنان إلى الولي الفقيه في إيران، ما يجعله جزءا لا يتجزأ من مخطط ومحور خبيث وإرهابي متعفن، يتم العمل عليه منذ 1979 في قم مع وصول الخميني إلى إيران.
اليوم وبعد 13 سنة على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نحن أكثر إصراراً على الاستمرار لأن روح الشهيد اشتاقت لتجمعاتنا السلمية وهتافاتنا المطالبة بإسقاط السلاح غير الشرعي، لقد اشتاق رفيق الحريري إلى تكاتف اللبنانيين وتجمعهم بشكل سلمي في ساحة الشهداء ليساهموا في التغيير الإيجابي للأوضاع في لبنان، دون أي ضغوط خارجية أو تدخل خارجي، أو استخدام للسلاح بين أبناء الوطن الواحد، لقد أصبحنا بحاجة ملحة إلى ثورة تعيد الاستقلال إلى لبنان، وتنبذ السلاح المتفلت والمشاريع الخبيثة، ثورة تعيد تنظيف القضاء اللبناني وعمله ودوره، دون أن يكون مسيّساً وتابعاً لأي جهة سياسية أو نافذة مالياً، فلا يمكن أن يبنى الوطن وقضاؤه غير عادل وغير نزيه، ومستسلم بشكل كامل لتلبية مطالب بعض الأحزاب السياسية على حساب الشعب وحقوقه، نعم نحن بحاجة إلى ثورة تقف بوجه حزب الله وسلاحه وتطاوله على الدول العربية، وتهديده الأمن الاقتصادي والسياسي اللبناني، لأسباب أصبحت معروفة، وهي تتمثل بالدرجة الأولى بالتبعية المطلقة لإيران ومشروعها الخبيث في المنطقة، والذي يمتد من كابول إلى بيروت، والذي يهدف إلى تحويل لبنان وباقي الدول العربية إلى جزء من إمبراطورية أبادها التاريخ وقضى على كل أساساتها، وجاء الخميني ومن بعده الخامنئي حالمين بإعادة هذه الأمجاد من بوابة طائفية، حيث زرعوا أحزاباً إرهابية مسلحة داخل المجتمعات العربية عملت على تشتيت الوحدة الوطنية وشق الصف الواحد وإثارة النعرات الطائفية، وهي سياسة قديمة استخدمتها إمبراطوريات عبر التاريخ على مبدأ فرق تسد، فنجحت إيران في أجزاء من مشروعها وحولت المنطقة إلى كرة نار تتدحرج بين فرق تتقاتل طائفياً، ولا يشعر أي طرف فيها بالرضا أو الرغبة بالعيش مع الطرف الآخر، ويتحول كل منهم إلى مشروع تحركه الدول والمنظمات، إلا هؤلاء المؤمنين بمستقبل أفضل لمنطقتنا، والذين اختاروا أن يكونوا في محور الشرعيات والعمق العربي فكانوا في المقلب المقابل والرافض تماماً للرضوخ لإيران ومخططها وميليشياتها.
اليوم أصبحنا أكثر إدراكاً أن المشروع الوحيد الذي نحتاجه هو مشروع رفيق الحريري، هذا الرجل العصامي الثائر على الحرب ومخلفاتها، هذا الرجل الذي نزع سلاح الميليشيات في لبنان، وكان سلاحه في مواجهة الجميع «القلم والورقة والإعمار»، فكان التعليم مشروعه الأساسي الذي آمن به واعتبره الطريق الصحيح لإبعاد الشباب اللبناني عن طريق الاقتتال وحمل السلاح، والعودة إلى زمن الحرب الأهلية، وما نتج عنها من سفك لدماء اللبنانيين وتدمير للبنى التحتية والاقتصاد، وانسحاب لرؤوس الأموال والتجار من لبنان وحتى للودائع من مصرف لبنان المركزي.
نعم مشروع رفيق الحريري هو الأساس الذي نريد الانطلاق منه، وكما حققنا الهدف معه ونزعنا سلاح الميليشيات بعد الحرب الأهلية، سننجح اليوم في نزع سلاح حزب الله وتسليمه للدولة اللبنانية، لتكون هي الجهة الوحيدة المخولة في الدفاع عن اللبنانيين ضد أي أخطار تهدد حياتهم من الخارج أو الداخل.
اليوم وبعد سنوات على اغتيال الشهيد رفيق الحريري نعيد ونذكر هؤلاء المتطاولين على الدول العربية والمحرضين عليها بأن رفيق الحريري أحب الجميع وأحبه الجميع، وهم ساندوه وقدموا له كل الدعم سياسياً واقتصادياً، وساهموا بإعادة إعمار لبنان دون التفريق بين منطقة وأخرى، بل كانت عمليات إعادة الإعمار تتم للجميع ودون استثناء، لأن العرب عملوا على توحيد اللبنانيين عبر تغيير سياسات أرادت لهم الاستمرار بالاقتتال رغبة منها في المزيد من الدمار، ما يساهم في سيطرة الطامعين على لبنان وغيره من الدول، ولكنهم فشلوا ونجح رفيق الحريري الرجل الشجاع القادم بمشروع أثبت مصداقية ونجاحا منقطع النظير، فتحول هذا الرجل إلى أهم الثوار في المنطقة والعالم، ونجحت ثورته في إيقاف أي مسببات للحرب الأهلية، وأعادت توحيد اللبنانيين، وأعطتهم الأمل بغد أفضل عنوانه العريض «السلم الأهلي والعلم»، ولا يمكن لأحد منا أن ينسى جملة قالها رفيق الحريري «أنا إيماني بالله كبير وثقة الناس هي الأساس عندي»، وهذه هي خارطة الطريق التي ننطلق بها اليوم، الإيمان بالله وثقة الناس، فهما الأساس في صناعة وطن، وقضية تستمد قوتها من الله ثم الشعوب.
لقد كان رفيق الحريري هو الصورة الحقيقية للخير في لبنان، بينما كان في الجهة المقابلة حسن نصرالله هو الصورة الحقيقية للشر، وهنا نستطيع بوضوح أن نعرف أنه لا يمكن للشر أن ينتصر، ولا بد للخير أن يعم، فهو في قلوب كل محبي السلام والخير في منطقتنا، وكل مناهضي السلاح والاقتتال والشر في هذا الشرق العربي المنهك منذ سنوات.
ستنبعث روح رفيق الحريري من جديد وتعلن انطلاقة الشرارة الأولى لنزع السلاح، وإرساء القانون، وإعادة الحقوق للشعب اللبناني، رغم أنف أصحاب السلاح والمشاريع الخبيثة التابعة لمحور الشر الإيراني، لصاحبه الخامنئي، وسيبقى رفيق الحريري الرئيس والوطن والشهيد.