يطالب كثير من النساء في السعودية برفع الحظر عن زيارة النساء للمقابر، إذ تقول إحداهن «لماذا أُمنع من الجلوس بالقرب من قبر عزيز مفارق، والشعور بقربه، وتخفيف وطأة فراقه؟. لا أتخيل أنني لن أتمكن من زيارة قبر عزيز بعد أن يفارق الحياة. لماذا لا أستطيع زيارته وبث همي وحزني إليه».
ويلاحظ الزائر للمقابر في المملكة، وجود بعض النساء خارج أسوار المقبرة، يأتين لمشاهدة قبور موتاهن من بعيد. والسؤال المطروح هنا: لماذا تمنع النساء من زيارة المقابر؟.
يقول بعض رجال الدين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن زائرات القبور، فقد ورد في الحديث أنه قال: «لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها السرج»، وبالتالي لا يجوز للمرأة «أن تزور القبور، لا قبر زوجها ولا غيره؛ لأنها لو فعلت ذلك استحقت اللعنة» !، وليس هذا وحسب، بل تعدّ هذه الزيارة من كبائر الذنوب، لأن اللعن لا يكون إلا على كبيرة.
ويرى رجال الدين أن الحكمة من تحريم زيارة النساء للقبور تتمثل في أنهن فتنة، وأنهن قليلات الصبر، فلا يؤمن عليهن إذا شاهدن القبور -قبور آبائهن وأمهاتهن وإخوانهن وأزواجهن- أن يقع منهن ما لا ينبغي من الصراخ والنحيب والنياحة، وشق الثياب ونحو ذلك، ولا يؤمن أيضا أن يفتنّ الرجال أو يفتتنّ بالرجال الزائرين!.
يتجاهل بعض رجال الدين -للأسف- اختلاف علماء المسلمين حول مسألة زيارة النساء للقبور، إذ يرى بعض العلماء جواز ذلك، واستدلوا بحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- بقوله «مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتّق الله واصبري، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتت باب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى»، ويقول ابن حجر: «وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة». إضافة إلى ما سبق، فقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- كما روى ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبدالرحمن، فقيل لها: أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قالت: «نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها»، وقد روي عن النبي أنه قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها»، زاد الترمذي «فإنها تذكر الآخرة».
ثم قال الترمذي بعد رواية الحديث «وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخّص النبي -صلى الله عليه وسلم- بزيارة القبور، فلما رخّص دخل في رخصته الرجال والنساء».
تعدّ زيارة القبور الإطار الذي يتعامل الإنسان خلاله مع الأشخاص الذين اختطفهم الموت، وكل المجتمعات -باختلاف عقائدها وبيئاتها- تحيط وتعتني بأمواتها بعناية فائقة، وكأنهم أحياء في ذاكراتها وقلوبها. والمشاعر الإنسانية تجاه الأموات من الأحبة لا يمكن وصفها، ولا يحس بها إلا من فقد عزيزا عليه، وزيارة القبور نوع من التواصل النفسي والرمزي مع الأموات، بل تمد الإنسان بطاقة روحية تخفف عنه ألم الفراق، فبعضهم يجد المواساة حين يقف أمام القبر، فتبدأ المشاعر والذكريات والشوق في التحرك من جديد، والقبر يرمز إلى هذه المشاعر والعواطف، فهذه القضية فطرية لا ينفرد بها مجتمع دون مجتمع، أو دين دون آخر، وهذه المشاعر الإنسانية -للأسف- تجاهلها بعض رجال الدين. فلماذا تُمنع النساء من حق زيارة القبور؟.
زيارة القبور -كحق إنساني- مشروع للنساء والرجال على حد سواء، ومن الضروري إعادة النظر في السماح للنساء بزيارة المقابر، بشروط وضوابط معينة، والسماح أيضا بوضع لوحات عليها أسماء المتوفين، بحيث يكون هناك تنظيم أكثر للمقابر، فالأموات لهم أيضا حقوقهم، ويجب على المجتمع أن يتكفل بها.