الكاتبة الجميلة Elizabeth Gilbert سألوها: هل تخاف على كتاباتها؟ فردّت أخاف من أشياء كثيرة، أخاف من أعشاب البحر مثلا.
الخوف ليس عيبا، والعرب تقول: من لا يخاف لا يسلم، خاصة في عالم الكتابة، وكلما مُنحت لك الحرية، كلما يجب أن تزيد مخاوفك.
هل تقدّر هؤلاء الذين يساندونك؟ هل ستخذل أولئك الذين يعدّونك صوتهم وتعبر عن حاجتهم؟ هل كتبت هذا المقال لأنك تطمع في منصب ما أو رضا شخص ما؟
هل وصلتك معلومة خاطئة ولم تتحقق منها، وورّطت شخص ما، وهل سيسألك الله عنه؟
كلها تثير قلقك وتستفز مخاوفك، وتدفعك إلى مراجعة نفسك وكتاباتك.
من جهة أخرى، تفكر أن كتابة المقال ليست فقط تفقدك هواياتك، خاصة لو كنت في الأصل روائيا تملك موهبة السرد، ولديك عشرات الأشخاص الذين يجلسون حولك، يدخّن بعضهم سجائره، والآخر يضع يده على وسطه، بينما يهمس الآخر بحكايته ينتظر متى تترك كل هذه المعاريض وتبدأ صناعته.
أيضا، تكتشف في فترة ما أن الكتابة تصنع المشكلات، ولا تحلّها لك كما كانت تفعل وأنت مراهق، إذ كنت أستعملها دائما بذكاء لحل خلافاتي مع إخوتي وصديقاتي، بكتابة رسالة بريئة جدا تنتهي غالبا بفتنتهم وتصديق أعذاري، وأذكر أني كتبت لصديقة ذات يوم:
«أتيتك والقلب خائف وجل
أخاف من رياح الصد عنك تبعدني..»
وأحبت صديقتي البيت وأحبتني أكثر، ولم نفترق منذ ذلك اليوم حتى الآن، وكتبت له يوما رسالة طويلة باعتراف لم يقرؤه، بدون أسف:
«تغيب ويبقى هواك في داخلي حاضرا لا يغيب
تغيب ويصير الرجال كل الرجال كما في حضورك
وجوه تمر وخيال يبيد»
أقول، كبرت وأصبحت الكتابة الهواية لفتاة ولدت في المنتصف من كل شيء لا تحل المشاكل بل تخلقها، حتى حدثني من أقدّره جدا ولا يبخل علي بوقته واحترامه، أن شخصا منزعجا من كتاباتي عنه، فقلت له: هل أخبرك بمقال محدد؟ قال: لا، ولكن هو غاضب ومتكدر وقلت له إني سأكلمك.
راجعت كل ما كتبت فلم أجد أني أشرت إلى أحد مطلقا بتقليل احترام أو إساءة، ثم فكرت أنه ربما غضب لأني لم أمدحه مثلا، لكني كاتب صغير جدا مقارنة بمئات الكتاب السعوديين، لماذا قد يغضبه عدم الإشارة إليه.
لكن الناس لهم طبائع مختلفة، ومن الصعب أن تُمارس هوايتك تحت سلطة شخص يختار لك ما تكتب أو ما لا تكتب، هكذا يموت فيك الحر، ويستعبدك الناس، وتفقد القدرة على أن تكتب شيئا جميلا وجيدا.
أحيانا، يظن الناس أنك تتطلع إلى شيء، خاصة أن بلادنا أحيانا تظن أن كُتاب المقالات والمثقفين جديرون بالمناصب، وهنا مشكلتان: واحدة أن الأكثر كفاءة لن يكتب بل سيعمل، والأخرى أن عليك أن توضح للأصدقاء أنه ليست لديك نية في شيء كهذا، بل إنك تحلم فقط بقميص أزرق على جهة القلب، قريبا من الروح، شعار «الأنروا» وهي منظمة تعنى بتعليم اللاجئين تابعة لليونيسكو، إذ شرفوني لأكون متحدثة في مؤتمرهم للتعليم، والذي سيقام في الصين في سبتمبر، وربما ستكون خطوتي الأهم لفعل شيء حلمت به دائما وسأصر عليه، لأنه يمثلني ويمثل هدفي في حياة قصيرة جدا، لدرجة أن يكون من المهم أن نكون فيها أكثر إنسانية وعطاء ومحبة، بعيدا عن سلطة المال وقوته.
أيضا ربما الخوف الأكبر يأتي من سؤال كبير: ماذا فعلت مقالاتك؟ لو كانت الإجابة صفرا فما جدوى ذلك، أعني الكتابة؟
أفكر أن لدي مقالات غيّرت واقعاً، مقالاتي في أداء الملحقيات فعلت، وكذلك ظهور النساء في سناب، وعمليات التجميل، وكذلك مقال شركات التعليم وكاوست أيضا، البعض أيضا يرسل لي كلاما لطيفا أني ألهمته، وهذا يلهمني لأن كتابة رسالة لطيفة لكاتب يعني أن الكتابة مجدية، ولا يجب أن نتوقف أبدا عنها، إنها على الأقل تغيّر شعور شخص نحو الأفضل، وهذا إحسان لا تنساه الحياة لك، فبينما يبكي الناس الناس، أنت تجعلهم يبتسمون ويضحكون، وربما حتى قبّلوا أطفالهم واحتضنوا زوجاتهم، عملك لا يقل عن زراعة شجرة أبدا.
لذا، مقال عن شخص يسعد الناس يهمني، ويهمني أن تشير عناوين مقالاتي إلى أسماء من أبهجنا وجعلنا نصرّ أن في هذه الحياة -كما يقول درويش- ما يستحق.
الكتابة تخيف، لكنها هبة الله التي تترجم ما في أعيننا وقلوبنا لمن يحبون القراءة، ومن يحب القراءة يعرف كل شيء.