لكل شيء فقه. فقهه من فقهه وجهله من جهله.

وإذا كان لكل شيء فقه، فإن للإدارة فقها وتفسيرا وتاريخا وعلوما!

قرأت في ثنايا «تويتر» اليوم تغريدة أعجبتني، مفادها أن موظفا يعمل في الجبيل ويسكن في الدمام، ولما كان الطريق بين الجبيل والدمام كثيف الضباب، ذات صباح، وصل صاحبنا متأخرا إلى عمله ليجد مديره السيد راندي هيزيل واقفا له بالمرصاد ليسأله عن سبب تأخره، فأفاده صاحبنا بما كان من الأمر، فوجّه له السيد هيزيل خطاب توبيخ حول مخاطرته بحياته وحياة الآخرين بحضوره إلى الدوام في طقس من هذا النوع، مؤكدا له أن حياة الناس ليست محل استهتار، وأن العمل سيقوم بباقي الفريق المتفاني. قلت: أنا «فقهت الإدارة يا سيد هيزل»!

وفي قصة لأبي فواز، حدثت في منتصف الثمانينات، أخبرني أنه كان وكيلا لمدرسة، وكان من بين طقوس التعذيب «المسمى اصطلاحا تربية» جلد الطلاب المتأخرين لبضع دقائق عن اصطفاف الصباح، وكان من بين المجلودين يوميا طالب اسمه آدم، تناوب الجن والإنس من المعلمين على جلده حتى بعث الله له أبا فواز ليسأله عن سبب تأخيره، فيصعق بأنه يتيم وفقير، وأن له أختا يأخذها إلى المدرسة مشيا، ويعيرها حذاءه، ثم يأتي حافيا، فيتعمد التأخير كي لا يستهزئ به رفاقه. قلت أنا «فقهت أبا فواز وعفا الله عنك حيا وميتا».

وما زال فقه الإدارة يمدنا يوما تلو يوم بإلهام القيادات المتفقهة في الحياة، المتبصرة بعواقب الأمور، والمقدرة لمجتمعات العمل حق قدرها.

فما كان في بيئة عمل حسنٌ محضٌ، لا يستغرب أن يكون في بيئة أخرى شرّا محضًا. فعلى سبيل المثال، فإن التغاضي من القيادي عن تأخير بعض المهام لسكرتير مكتبه المتفاني أمر مقبول جدا، كقبول معاقبة ومحاسبة سكرتير ثان مهمل ومتمرد على العمل، وعلى هذا فقس.

فقه الإدارة -كما أفهمه- تماما كفقه الدين، فيه المباح والمحرم والمندوب والواجب والمستحب والمكروه. ولكن -ومع كل هذا التعدد- يبقى المقود في يد القيادي الفقيه الذي يقدر الأمر حق قدره، ويضع الأمر في نصابه، متنقلا حسب الحاجة بين عقاب لمحرم وثواب لواجب. اللهم إن كان قد قصر فهمنا في دينك ففقّهنا في فهم شؤون خلقك!.