لا شك أن الغلو في الحياة هو صنو التطرف الذي يصنع الإرهاب، الذي أصبح بالنسبة للغرب اصطلاحا مرادفا لدين الإسلام، والواقع يؤكد أن «‹الإرهاب موجود في كل العالم، ولكن ضعفنا -كمسلمين- أسهم في ترسيخ هذا الاصطلاح في عقول الغرب، مع أننا نستطيع قلب وتغيير هذا الاتهام الظالم، والخروج من هذه الدائرة، من خلال التعرف على الخلل الذي يحققه الغلو، الذي تتصدر مسبباته أسباب كثيرة، ومن أهمها التشدد في الفكر، وطاعة المولى -سبحانه- بجهل ودون معرفة، كذلك البيئة القاسية التي تعد عاملا مساعدا للتطرف والتعصب، والخلل في مناهج التعليم، وبخاصة في مجال تكريس التصنيفات المذهبية، وغير ذلك..».

التوازن الشفاف في الفكر، والخطاب العقلاني، يمكن لهما تحقيق طموحاتنا، بأن تعيش المجتمعات بدون غلو أو تطرف، بعيدا عما يسود حياتنا من تناحر وانشقاق، أسهما في تأجيج نار الهجمة الخارجية على الإسلام الجميل، كذا المسلمين النظيفة قلوبهم، والمنورة عقولهم، الذين يدركون الأخطار الكثيرة التي يعكسها الغلو، والمتمثلة -على سبيل المثال- في خلق التنافر، والفرقة، والتمييز بين الناس، وليس مستحيلا أن نعيش بدون غلو أو تطرف، وفي الإمكان دوما العمل من أجل التخلي عن ظاهرة الغلو، إن بالحلول الأمنية، أو الحلول الاقتصادية، وما على من يريد ذلك إلا معالجة الأمر في إطار موضوعي وبعقلانية، بتعزيز العدالة الاجتماعية أولا، والتوسع في الحريات الفكرية بانضباطية آخرا، وليس لدى أي عاقل أدنى شك، في أن في فهمنا الدقيق لديننا حلولا عملية دقيقة لجوانب الحياة المختلفة، لا يستطيع أن يدركها أولئك الذين يتظاهرون بالوفاق وهم مختلفون، أدعياء التدين والتطرف والتزمُّت..

الإسلام الجميل جميل، وخاطب الفرد ليعبد ربه، وليكون فاعلا في مجتمعه، وحدّ حدودا للناس، وأعطى حقوقا للجميع، وهو دين متطور، وما جعله جامدا إلا توقف حركة الاجتهاد، والإصرار على التقليد الأعمى، وإغفال أن من حق المهتم بدينه، اختيار ما هو ملائم لحياته، والقاعدة تقول «لا ينكر على مختلف فيه ولكن على مجمع عليه»، وبدون ذلك لن نفهم أن الشريعة كالمخلوق ينمو ويتجدد ويتكيف، وأن القياس من أهم وسائل التشريع الإسلامي، وأن الاستحسان والمصلحة قواعد هامة أيضا، وأنه يمكن ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس، فالشريعة -كما قال ابن القيم: «عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها..».

في مناقشة قضايا الإسلام المعاصر ليس هناك حجر على الفكر الجديد، وحتى نتمكن من الإبداع والانطلاق والتحرر من القيود التي تؤدي إلى قبول كل ما هو موجود في حياتنا، مطلوب عدم الركون للعجز والاستسلام لثوابت الواقع، ومن القواعد الدينية المساندة: «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان»، التي تدل على أن عناصر التغيير من المنظور الإسلامي كثيرة، ومنها البيئة، والعرف، والعادات، وصلى الله وسلم وبارك على القائل: «إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به»، والقائل: «‹أنتم أعلم بأمر دنياكم»، وكلها نصوص تعطينا فكرة عن عمق الفروق بين العبادات والمعاملات.