أخذت قضية خريجات كلية التربية وخريجيها -المتخرجين قبل إغلاق الكليات، وضم التعليم العام إلى التعليم العالي في وزارة واحدة- زمنا أطول مما يجب في دراستها، مما يعكس عدم التعامل بجدية كافية مع الحلول المقدمة من المهتمين الكثر على مدى سنوات طوال.
لقد حظيت هذه القضية بالوقت الكافي لإشباع الحوار بشأنها، بحيث تضاعف عدد المهتمين بها، قادمين من مختلف التخصصات، مجتهدين في مقاربة المشكل، من مختلف زوايا الرؤية التي تتيحها مواقع متعددة يرفدها تنوع مجال الخبرة، ومدى عمق الرؤية، وسعة الاطلاع، إضافة إلى دافع الهم الوطني. ونظرا لكل ما سبق، أجد -وغيري من المهتمين- غرابة كبيرة في بقاء إشكالات هذه القضية على حالها، كل هذا الزمن، من دون أي تقدم يذكر.
ويلحظ تضاعف حجم المشكلة بتقادمها، وبتخرج أعداد كبيرة جديدة من التعليم العالي -كل عام- وانضمامهم لخريجي كليات التربية قبل إغلاقها. وذلك أفضى إلى تشعب إشكالات القضية لتشمل خريجي الجامعات وخريجاتها التربويين وغير التربويين، ثم تشعبت أكثر لتلفت النظر إلى نقاط ضعف في اختبارات الكفاية التي تواجه تشكيكا من قبل الخريجين والخريجات في موضوعيتها وجدارتها وفاعليتها، ثم انتهى كل ذلك لأن تضيع أصوات المتضررين بين مؤسسات الدولة وقياداتها، والأصوات المؤثرة في الإعلام.
قد أسهبت في شرح تاريخي للقضية، ربما يعرفه كثيرون -خاصة بعدما أخذته من مساحة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة- لكن حجم المشكل وعمقه يفرض إعادة طرحه مرارا ليصل لكل من يمكنه المشاركة بإثراء النقاش. وتحظى القضية بديمومة في تصدر الوسوم، بشكل يومي، وذلك يثبت -بما لا يدع مجالا للشك- ضخامة حجم إشكالات القضية، وتأثيرها (سلبا) على فئات عريضة من المجتمع يضيع صدى أصواتها في كل اتجاه، تطرق كل باب تأمل أن يكمن خلفه حل ما.
أدين لهؤلاء المواطنين الذين شرفوني بأن أكون صوتا لهم -عضوا بمجلس الشورى وكاتبة للرأي- بأن أقدم للقارئ شرحا فنيا للقضية، وما استجد بشأنها، فهي اليوم تعود لأدراج المسؤولين في وزارة التعليم بعد أن كانت مشتتة بينها وبين وزارتي الخدمة المدنية والعمل، لتبدأ تاريخا جديدا من إقفال الأبواب وصم الآذان عن صرخات المتضررين الذين يعدون بمئات الآلاف. وتظل الوزارة تواصل تجاهل الرد على تلك الأصوات، والتفاعل معها إعلاميا، وقد كانت تسوِّغ ذلك بعدم اختصاصها بالتوظيف، وترجع المسؤولية لجهات أخرى.
لقد نشأت القضية -ابتداء- بوصفها أثرا من آثار ضم التعليم العام مع التعليم العالي في مؤسسة واحدة -في عام 1428- الذي ترتب عليه إغلاق الكليات التربوية، وقد كانت تعمل في ظل وزارة المعارف التي أصبحت لاحقا وزارة التربية والتعليم. وإذ توقفت وزارة التربية والتعليم عن العمل بهيكلها القديم، افترضت وزارة التعليم بهيكلها الجديد موت الكيان الموقف عن العمل، بل إنها افترضت عدم وجود هذا الكيان، بحيث أنها أتلفت كل ما في الأدراج من قضايا وأعمال وتنصلت منها، بينما كان من واجبها أن ترث تلك التركة، وتتعامل معها بجدية.
وقد ترتب على هذا السلوك أن تصبح معاناة مئات الآلاف من الخريجين والخريجات التربويين قبل الضم لا تجد من يتبناها، إذ كان التوظيف يعود لوزارة الخدمة المدنية التي لا يمكنها التعامل مع المشكل إلا بتنسيق يبدأ من وزارة التعليم، بإحصاء الشواغر وتقديم حلول لتوفير شواغر تستوعب الخريجين بشكل متدرج. وهذا لم يحدث منذ نشأة المشكل، كما أنه لا يحدث اليوم، حتى بعد أن أعطيت الوزارة الصلاحيات كافة لتوظيف مخرجاتها، بحيث لم تعد صعوبة التنسيق مع جهات أخرى عذرا كافيا لعدم تحرك الوزارة.
لقد قدم المهتمون جهدا كبيرا في وضع تصورات لجوانب القضية مع اقتراح حلول لها -وسأفرد لها إن شاء الله مقالا مستقلا-، وعوضا عن أخذ تلك الآراء على محمل الجد، والإفادة منها ودراستها.
ويجدر بوزارة التعليم -وقد أصبحت المسؤول الوحيد عن مخرجاتها- أن تدرك جدوى انتهاج الشفافية بشأن ما تقوم به في التعامل مع المشكل، فمهما كانت الصورة قاتمة، سيتفهم الجمهور المعيقات التي تحول دون حسم القضية، ما دام هناك جهد في هذا السبيل. على الوزارة أن تقنع الناس بأنها تعمل، وتتعامل بالجدية الكافية مع مشاكلها ومسؤولياتها، وأنا على ثقة بأن الجمهور سيقتنع بذلك الجهد، ولو كان جهد المقلّ، وسيقبل ما تثبته الدراسات الجادة للقضايا العامة، وما تقدمه من إحاطة بتفاصيل القضايا وإشكالاتها، وأسباب تلك الإشكالات وحلولها، ومعيقات تلك الحلول، كل ذلك من منظور متخصص ومقنع، يقدم حلولا واقعية تراعي تعقيدها وتنتهج العدالة بين المتضررين فيها.
ولا أبالغ إذ أقول لإخوتي وأخواتي المتضررين في هذه القضية: إن خلف الأبواب التي تطرقون ضمائر حية، تسمع لكم، وتفكر بمعاناتكم، وتجتهد لتقف معكم بما تملك من قدرة، وأنا على أمل بأن تنفرج الأزمة، وأن تبادر الجهات المسؤولة بالاستفادة من حوارات المهتمين، وما يقترحونه من حلول.