أرسلت إحدى الفتيات رسالة مضمونها أنها لا تستطيع أن تتصالح مع نفسها لأنها تكرهها كرها شديداً لدرجة أنها تستغرب صبرها عليها - حسب تعبيرها - وذلك رداً على موضوع في تطوير الذات تحدثت عنه سابقاً، وبالمناسبة فحرصي الدائم على الحديث عن تطوير الذات لسبب بسيط جداً، وهو أن بناء المجتمعات لا يمكن أن يتم إلا عندما يبنى أفرادها ويطورون من ذواتهم، أشد إيلاماً ووقعاً على المرء هو عندما يجد صعوبة في أن يحب نفسه، لأن حبها هو المنطلق في حب الحياة وحب الإيجابية، وحب كل ما حولها ليتولد الحافز في المشاركة في التنمية وإعمار الأرض.

 يجد البعض صعوبة كبيرة في التصالح مع ذاته وفي التعايش معها وربما يصل الأمر إلى أن يكرهها ويكره كل ما في هذه الحياة وفي الحالات المتقدمة ربما يقدم الفرد على وضع حد لحياته! معرفة الأسباب هو المفتاح للتغيير وإيجاد الحلول، من أهم العوامل التي تجعل الفرد لا يشعر بحب ذاته ولا يكن لها التقدير هو البعد عن الله عز وجل بفعل الطاعات والتقرب إليه بالعبادات لأن ذلك يقتضي الشعور بالوحشة، فالطاعة مقرونة بالحب والرعاية والاطمئنان، والبعد والعصيان مدعاة للاضطراب وتشتت الذات ولومها والسخط عليها، ومن أسباب كره الذات هو عدم القدرة على استيعاب أن الله خلقنا، وجعل لكل منا نقاط ضعف ونقاط قوة يهتدي إليها البعض ويستغلها ويطورها لصالحه، بينما البعض الآخر تجده حائرا مكتوف اليدين يلعن الظلام بدلا من أن يوقد شمعة، ساخطا على نفسه ومتجاهلا ما يمتلكه من قدرات ومهارات تميزه عن الآخرين، ولكنه للأسف لم يكلف نفسه استخراج هذه الكنوز الفطرية المدفونة بداخله، والتي أودعها الله عز وجل فيه ليقوم بتعزيزها، الإنسان عندما يكتشف ما بداخله من مواهب وإبداعات تتولد لديه تلقائيا الثقة بنفسه، وقد يتساءل البعض: لماذا الحديث عن حب الذات واكتشاف ما بداخلنا من مواهب وقدرات؟

الجواب باختصار هو أنك عندما تعرف نفسك وقدراتك فإنك بذلك تحقق رضاك عن نفسك، وستحبها حتى لو لم تجن شيئا من ذلك، سواء كان شهرة أو كان عائدا ماديا، فالمهم هو أن تكون راضيا عنها، اكتشف ذاتك وطور ما تحمله من معارف ومواهب، وإن لم تستطع ذلك فاسأل من حولك عما يلاحظونه لديك من موهبة واهتمامات تميزك عن الآخرين، فالإنسان أحيانا لا يستطيع معرفة ذاته إلا بواسطة من حوله، وكذلك تستطيع معرفة ما يميزك وما تمتلكه من قدرات، وذلك من خلال استرجاع الذاكرة وتذكر ما هي الهوايات التي كنت تميل إليها في صغرك وعلى مقاعد الدراسة، فليس من المعقول أن تعدم منها، واسأل نفسك ماذا أفعل في وقت فراغي هل كنت أرسم أو أكتب أو أقرأ...؟

أسئلة كثيرة ستدلك على تساؤلاتك، وستوصلك إلى أن تحب ذاتك أكثر من ذي قبل، وعندما تحب ذاتك ستزداد ثقتك في نفسك، وهذه الثقة بحاجة إلى عوامل مهمة لتعزيزها، كأن تتعلم كيف تقول (لا) لتكون صادقا في مشاعرك وبالتعبير عما في داخلك، وأن تعلم أن الأشخاص الذين تعتقد أنهم أفضل منك قد تعلموا كيف يحبون ذواتهم ويقدرونها، وأنهم وهبوها الكثير ليرتقوا بها ولا يضعونها في موضع يهينها أمام الآخرين، ولكي تزداد ثقتك بنفسك لابد أن يكون لديك تصور ذهني إيجابي عن ذاتك، وليس معنى ذلك أن تتجاهل عيوبك، بل يجب معرفة ما لديك وما عليك ليكون لك حافز على التقدم، ولا تنشغل بما يقوله الآخرون عنك وتجعله عائقا في طريقك..

يقول سفيان الثوري رحمه الله: (من عرف قدر نفسه لم يضره ما يقوله الآخرون عنه مدحا أو ذما)، ومن الأمور المهمة التي تزيد من ثقتك بنفسك وتلهمك حب ذاتك هو تطويرها بالقراءة والاطلاع وتقوية تخصصك ومجالك قدر الإمكان، وكذلك بممارسة الرياضة والاهتمام بمظهرك والمشاركة في الأحاديث العامة والمناسبات الاجتماعية والأنشطة الخيرية والتطوعية، والتي ستجعلك تستشعر نعم الله عليك عندما ترى آلام الآخرين، وأن تكون مستعدا لمواجهة المشكلات حتى لو لم تحلها، فالمهم أنك حاولت، وهذا إنجاز في حد ذاته، واحذر أن تمجد الآخرين وأنت لم تبادر وتصنع مجدك الشخصي وتضع بصمتك في الحياة، وهكذا فمعرفتك بأنك مختلف عن غيرك وثقتك بنفسك - المتولدة من خلال اكتشافك لما في داخلك من كنوز وقدرات وإظهارها وتطويرها - وقربك من خالقك كل ذلك بلاشك من شأنه أن يغير من نظرتك تجاه ذاتك من جديد لتحبها وتفتخر بها أكثر وأكثر، وختاما أدعوك عزيزي القارئ للاطلاع على مقال كتبته سابقا بعنوان (سعادتك في تصورك الذهني)، والذي أشرت فيه إلى التصورات التي نصنعها بأنفسنا، وتتشكل في أذهاننا وفي عقلنا الباطن (اللاشعور)، وأنها هي التي تحدد سلوكنا.. وعلى دروب الحب والسعادة نلتقي.