... وتكملته (وقامت القمايم). مثل من الأمثال العامية السقيمة معنى ومبنى، إذ هو من طائفة تلك الأمثال التي تطرح نفسها وتشيع، لإيقاع لفظي ينهض على السجع فقط، فتبدو ركيكة في تركيبها الفني، خالية من العمق والإشراق المجازي الذي يميز الأمثال كـ(صاحب الحق عينه قادحة).
أما من حيث المعنى فهو يحمل نفسا طبقيا ونزعة استعلائية، وهنا يمكن قراءة دلالات يشير إليها المثل . فهو من الوضوح بما يجعلنا نوقن بأنه يقال في مواقف يعبر فيها فرد ما، في مجتمع ما عن شخص أو فئة كانت في ظروف تاريخية ما، تنتمي لطبقة ما، ولكن لأن دوام الحال من المحال ، تساوت الطبقات إما صعودا أو نزولا. هذا التساوي هو الذي يجعل من كان في طبقة يتوهم أنها الأفضل بأنه سقط (طاحت العمايم) وصعد الشخص المثير للحنق – غالبا بلا أسباب موضوعية أو بلا أسباب بالمرة- فيصيح (هو لا يملك إلا أن يصيح) بأن (العمايم قامت).
إذن هو مثل مؤكد أنه نزيل حقبة زمنية كانت فيها الطبقية واضحة، ففي قناعات كثير من علماء الاجتماع أن الطبقية تمر عليها- نتيجة ظروف ثقافية ووقائع اقتصادية - فترات تكون فيها شديدة الوضوح حد التباين، مثلما تمر بها فترات تكون فيها ملتبسة حد الضبابية، لكن الصحيح في المجمل هو تلك الفترة التي تسود فيها المجتمع الطبقة الوسطى (أساتذة الجامعة والأطباء والمهندسون والتقنيون وطبقة من رجال الأعمال والصحافيين والفنانين والمدرسين...) فينعم المجتمع بالتصالح مع ذاته، تسطع فيه القيم، وتصفو أرواح أفراده، فينحو مناحي الإبداع والإنتاج في حراك تتناغم فيه بجمال أخاذ كل الأشياء، حتى عندما تتنافر لا يتم ذلك إلا داخل أطر التناغم الشفيف وبما لا يحدث جروحا في خامة الروح.
لكن حين تحدث تغيرات لحد أن تسمع الأكاديمي أستاذ الجامعة يقول لزميله الذي لا يقل عنه درجة علمية وكفاءة، إن لم يفقه (والله طاحت العمايم وقامت القمايم) لا تملك إلا أن تتساءل" ما الذي يجري؟ هل الوعي يتقدم أم يتراجع؟ هل العقل ينتصر أم خسر رهانه كفرس جامح للتغيير الحقيقي نحو ما هو أفضل عملا بنواميس الله، أم يخسر حيال أنماط تفكير بدائية غريبة تملأ الأفق حتى تكاد تسده بالضغينة والكراهية والاحتقان؟
لا تملك إلا أن تسأل وتسأل إلى أن ترى هد كل العمايم، ولا (قمائم)، بل أشباح تهيم في البراري والطرقات.
نسمع ونسلم.