أوْرِدَ على الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله شبهات تتعلق بالتوحيد، ومن ذلك قول بعضهم نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، لكن نحن مذنبون، والصالحون لهم جاه عند الله، ونطلب من الله بهم.

وقد أجابهم الإمام محمد بن عبدالوهاب بما ملخصه: أن الله تعالى أرسل النبي عليه الصلاة والسلام إلى قومٍ مشركين يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله، ويعتقدون أنه هو الخالق الرازق النافع الضار وحده لا شريك له، لكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، يقولون نحن مذنبون ونريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده، كما قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات والأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) فنزَّه نفسه عن فعلهم، وسماه شركا، مع أنهم يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويعتقدون أنهم لا ينفعون ولا يضرون، وإنما قصدهم التعلق بالشفاعة والجاه، وهذا هو فعلكم سواء بسواء.

وإذا أردت الدليل على أن المشركين يقرون بتفرد الله بالخلق والرزق والنفع والضر ونحو ذلك، فاقرأ قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرِج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون)، وقوله: (قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم *سيقولون لله فقل أفلا تتقون) والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولو كانوا يعقلون لعلموا أن توحيد الربوبية، الذي يقرون به، يستلزم توحيد الألوهية، لكن عندهم وعند من سلك طريقهم في زماننا، نقص في توحيد الربوبية، كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.

فإن قالوا: الصالحون لهم جاه عند الله، فالجواب: حتى لو كان لهم جاه عند الله كما تقولون، فإن جاههم لهم، وصلاحهم لهم، وأنتم ليس لكم إلا عملكم، ما علاقتكم بعمل فلان وصلاحه (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)، وقد قال الله تعالى (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له)، فإن قالوا: هذه الآيات الناهية عن طلب الشفاعة، نزلت فيمن يعبد الأصنام، ونحن نطلب الشفاعة من الصالحين، فكيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟

فالجواب: أن معبودات المشركين متنوعة، ليست الأصنام وحدها، بل منهم من يدعو الأولياء كما قال تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب)، ومنهم من يدعو عيسى عليه الصلاة والسلام وأمه، وقد نهى الله عن ذلك فقال تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون *قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم)، فإذا كانوا يقرون بالربوبية كما تقدم في الأدلة السابقة، ويتخذون مع هذا الوسائط من الصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى، وأنتم كذلك تقرون بالربوبية لله وحده لا شريك له، وتطلبون الشفاعة من الصالحين، فما الفرق بين ما يفعلونه، وما تفعلونه؟!

فإن قالوا: الكفار يريدون من الصالحين، ونحن لا نريد منهم، ونشهد أن الله هو النافع الضار، المدبر لا نريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، وإنما نقصدهم ونرجو شفاعتهم.

فالجواب أن هذا الذي تنسبونه لأنفسكم هو ما يفعله الكفار سواء بسواء، فإنهم كما تقدم مقرُّون بأن الله هو المدبر النافع الضار الرازق لا شريك له، كما في الآيات السابقة، وكما في قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) ولكنهم طلبوا الوسائط لتقربهم إلى الله زلفى بزعمهم، كما قال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، وقال تعالى: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)، ففي هاتين الآيتين بيان أنه ليس لهم قصد إلا شيء واحد، وهو طلب الشفاعة منهم إلى رب الجميع سبحانه وتعالى.

فإن قالوا: نحن لا نعبد إلا الله، وهذا الالتجاء، وطلب الشفاعة من الصالحين ليس عبادة، فالجواب: أن الدعاء والطلب عبادة، والله تعالى يقول: (فلا تدعوا مع الله أحدا).

فإن قالوا: أتنكرون شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام؟ فالجواب: لا ننكرها، بل هو عليه الصلاة والسلام الشافع المشفع، ونرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: (قل لله الشفاعة جميعا)، فتُطلب منه سبحانه فيقال: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفِّعني فيه، وأمثال ذلك، وهي لا تكون إلا بعد إذنه ورضاه كما قال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) والله لا يأذن إلا لأهل التوحيد والإخلاص، وأما غيرهم فكما قال تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين).

فإن قالوا: النبي عليه الصلاة والسلام أُعطِي الشفاعة، ونحن نطلبه مما أعطاه الله.

فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاكم عن هذا، فقال (فلا تدعوا مع الله أحدا)، ثم إن الشفاعة أُعطيها غير النبي عليه الصلاة والسلام، فصحَّ أن الملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون، أتقولون إن الله أعطاهم الشفاعة، فنطلبها منهم؟ فإن قلتم هذا: رجعتم إلى عبادة الصالحين التي ذكرها الله في كتابه، وإن قلتم: لا، بطل قولكم أعطاه الله الشفاعة، ونحن نطلبه مما أعطاه الله.