تكشف المقابلات التي أجريت مع الآباء والأمهات الذين هربوا من المناطق التي سيطر عليها تنظيم «داعش» في سورية إلى تركيا، أن المجموعة شنّت حملة مدروسة هدفت إلى خلق حالة من انعدام الثقة بين الآباء وأبنائهم.

وقد استهدفت المجموعة الشباب بقوة، خاصة الذكور، لتخطي سُلطة الآباء والأمهات، وخلق هياكل جديدة للسُلطة في المجتمع، وترويج أيديولوجيتها.

 وكانت النتيجة، هي تمكُّن «داعش» من حشد الشباب وراء قضاياه -وربما إرساء الأسس لإعادة انبعاث المجموعة المحتمل.

وعلى الرغم من أن «الخلافة» فقدت معظم مناطقها، فإن أفكارها يمكن أن تستمر وتدوم في عقول مجنديها السابقين من الصغار والشباب.

وفي حين أن بعض الآباء فقدوا أبناءهم مسبقا لتنظيم «داعش»، فإن آخرين ما يزالون يخوضون معركة يومية لمنع المجموعة من كسب ولاء أبنائهم.

ووصف كثير من الآباء والأمهات السوريين، كيف أن أبناءهم سلكوا طريقا متشابها إلى التطرف، والتأييد اللاحق لتنظيم «داعش».

صمم «داعش» دعايته كي تروق للشباب بالتحديد، مستغلا ثورة مرحلة المراهقة لخدمة غايات التجنيد، ومشجعا المراهقين على وضع ثقتهم في قيادة تنظيم «داعش» بدلا من آبائهم وأمهاتهم وأشقائهم. وكان يُطلب من كثير من السوريين تحت حكم «داعش» حضور دورات تؤكد «بر الوالدين».

وفي الوقت نفسه، شمل التدريب الذي تقدمه المجموعة سرد أمثلة تسهم في حفز الشباب على الاعتراف بسهولة بما يدعى «نفاق» آبائهم وأمهاتهم الذين ربما ينخرطون في أعمال يحظرها «داعش».

الآن، تتطلع العائلات من المناطق التي كانت تحت سيطرة «داعش» سابقا في سورية، مثل الرقة ودير الزور، للعودة إلى ديارها، لكنها تخشى أن يتم اعتبارها مسؤولة عن أعمال أبنائها عندما كانت تحت حكم التنظيم.

وقد أصبحت بلداتها وقراها الآن إما تحت سيطرة الحكومة السورية أو الميليشيات المتحالفة معها، أو تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي يمكن أن تنتقم من أولئك الذين تتصور أنهم متعاطفون مع المتطرفين.

ولدى هذه العائلات سبب للخوف: فقد أبلغت منظمة العفو الدولية ومنظمة «اليونيسيف» في تقاريرهما عن قيام القوات العراقية بمعاقبة مدنيين بشكل جماعي، بسبب روابط عائلاتهم المزعومة مع «داعش»، وذكرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن الهجمات الانتقامية ضد السُنة أصبحت واقعا فعليا في العراق، وأنها يمكن أن تتفاقم في سورية.

تشكل الأسرة الوحدة الأكثر أساسية وحساسية في المجتمع السوري. ولتقوية النسيج الاجتماعي في البلد ومنع التحول إلى التطرف، يجب تقوية الروابط العائلية.

وفي سياق مجتمع محطم انهارت فيه هياكل السُلطة، ينظر كثير من الشباب إلى «داعش» على أنه يجلب النظام، وأن أعضاءه يستحقون منهم الاحترام والولاء.

تتسم الجهود الدولية لمكافحة التطرف العنيف بكونها دائما رد فعل أكثر من كونها وقائية، وتمول الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون البرامج الإعلامية لمواجهة رسائل المنافذ الإعلامية لـ«داعش»، على سبيل المثال، ويدعمون إنشاء مدارس لمواجهة نهجه المتطرف في التعليم. وقد تكون هناك إستراتيجية أفضل، تتمثل في تأهيل الوالدين، من خلال تدريب علاجي، لدعم الحاجات الاجتماعية والعاطفية التي تقود الشباب إلى الشعور بالإهمال، وأحيانا إلى التعاطف مع الشخصيات المتطرفة. ولمنع المجندين الجدد والمتعاطفين مع المجموعات المتشددة، وكذلك تعزيز التعافي في مرحلة ما بعد «داعش»، فإن الحل يبدأ من الوطن.


كنانة قدور*

               

*معلمة سورية–أميركية تقيم في واشنطن العاصمة

مجلة (فورين بوليسي) الأميركية