اقتربت من معلمتها وقالت: «أبله أنا جيعانة»! لم تكن أول مرة، ولن تكون الوحيدة، فقد تكرر تعرّض هذه المعلمة، وغيرها الكثيرات، لمثل هذا الموقف مؤخرا، خاصة بعد أن تم اعتماد زيادة زمن اليوم الدراسي ساعة واحدة من الأحد وحتى الأربعاء، وذلك من أجل إدراج أربع حصص للنشاط أسبوعيا، ضمن الخطة الدراسية لجميع المراحل، ما الذي يحدث هنا؟! لن أتحدث عن حيثيات القرار، أو عن كيفية استقبال القرار من الهيئة التعليمية، فقد تم تناوله عبر وسائل التواصل، كما تناولته أقلام عدد من الزميلات والزملاء الكتّاب في الصحف المحلية، القضية التي سأعرضها اليوم، هي «الجوع»، نعم الجوع الذي يشعر به الكثير من التلاميذ، وأخص هذه المرحلة بالذات، رغم أهميتها للطلبة أيضا، لأنها مرحلة تأسيس وبناء، ليس على المستوى الإدراكي فقط، بل على المستويين الجسدي والنفسي أيضا، فكيف نعرّض أطفالا للجوع، سواء كان ذلك بسبب إهمال أولياء أمورهم، أو بسبب ما يقدّم لهم من غذاء في مقاصف المدارس، وهنا أعني محدودية ما يقدّم، أو غلاء أسعاره!
قد تأتينا الإجابة بأن المدارس قد تعاقدت مع الأسر المنتجة من أجل التشجيع والتكافل الاجتماعي، وهذا شيء جميل، ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل تمّت مراقبة ما يقدّم للتأكد من أنه عبارة عن وجبات غذائية صحية؟ هل تمت متابعة جودة ما يقدّم من حيث المواد التي تستخدم في التحضير؛ طازجة، ونظيفة، وتحضر بطرق آمنة صحيا؟ وماذا عن الأسعار؟ هل هي في متناول الجميع، أم لطبقة معينة فقط؟ هل وصلكم كما وصلني أنه في بعض المدارس تباع حبّة ورق العنب الواحدة بريالين؟! ثم هل ورق العنب يعتبر أكلا صحيا إن أصبح وجبة يومية؟ ولماذا هذه الأسعار؟ لأنه، أيضا حسبما ما وصلني، المدارس تأخذ نسبة من أرباح هذه الأسر، وعليه كتعويض ترفع الأسعار حتى يتم الرّبح! ومَن الذي سيدفع؟ الزّبون؟ ومَن هو الزّبون؟ طفل أو طفلة! أن نُدخل منتجات الأسر إلى مدارسنا دون أن نطابقها مع معايير الغذاء لمنظمات الغذاء الصحي العالمية يعتبر خطرا على أبنائنا، نساعد هذه الأسر، لكن ليس على حساب صحة الأبناء! نستطيع أن نفتح لهم دورات تدريبية على قوائم الغذاء الصحية وكيفية تحضيرها، ثم نفتح لهم مدارسنا، ونتابع عمليات التحضير والتقديم والأسعار، هكذا يكون الجميع رابحا، ولا ضرر ولا ضرار.
نأتي الآن إلى مَن ليس في مقدوره أن يوفر مصروف غذاء يومي لأبنائه، خاصة حين يكون لديه عدد منهم، حتى ولو كان الأمر مجرد ريال أو ريالين لكل طفل، بعملية حسابية بسيطة نستطيع أن نتعرف على حجم المبلغ الذي يجب أن يتحمّله يوميا وأسبوعيا وشهريا، والراتب ليس فيه هذه المساحة، هذا إذا كان لديه راتب ثابت، أو حتى لديه مصدر رزق من وظيفة أو ما شابه! هل ندرك حجم المعضلة ليس بالنسبة له، بل بالنسبة للتلاميذ؟ مع مرور الوقت قد نفاجأ بمن يسحب أبناءه من التعليم، فالخيار صعب، ولكن البعض سوف يلجأ إليه! أحيانا تتخذ بعض القرارات الهامة عندما تكون أقل توقعا، قد يسأل البعض: وهل يوجد وفي هذا العصر من يسحب أبناءه من التعليم؟! نعم! وبسبب وجبة غذاء مدرسية؟! نعم! فهل يدرك الفرد منّا مدى الضغط النفسي الذي يتعرض له الأب، أو تتعرض له الأم حينما لا يجدون المبلغ الكافي للصرف على وجبة الغذاء في المدارس، والتي قد تكون أصلا غير مشبعة وغير كافية، ثم مصاريف وجبة أخرى في المنزل للأسرة!
حسنا، ماذا عمّن لديهم القدرة على الدفع، ويتركون أبناءهم ليختاروا ما يشاؤون من المقصف، هل سيختارون الطعام الصحي، إن وجد؟ قد يكون مشبعا، ولكن بما أنه لا يحتوي على البروتينات والفيتامينات والكالسيوم الذي تحتاجه أجسادهم، نكون كمَن لم يفعل شيئا، بل النتيجة نفسها، كسل وهبوط في الطاقة الجسدية والعقلية! وفوقها يعودون إلى البيت من أجل وجبة دسمة أخرى! وتطفو على السطح مشكلة السمنة! وهنالك من لديه القدرة المالية، ولكن لا يتابع ما يتناوله أبناؤه من وجبات، والذين منهم مَن يختار ألا يقترب مما يقدّم له في المدرسة، وقد يكون حضر إلى المدرسة من غير وجبة إفطار، ماذا يحدث عندما يعود إلى البيت؟ كم ستكون الكمية التي سيتم تناولها؟ وما هي نوعيتها؟ لنا أن نتخيّل! خاصة مَن يقوم بطلبيات لوجبات خارجية سريعة يستقبلها حال خروجه من المدرسة، ومن ثم يطلب غيرها إضافة إلى ما يقدّم في البيت! لا أتحدث عن شراهة هنا، بل أتحدث عن عادات غذائية خاطئة، تؤدي إلى دمار صحي.
الأساس في قرار وزارة التعليم هو تنفيذ أنشطة إضافية، لكن كيف يمكن لهؤلاء التلاميذ أن يشاركوا بفاعلية إن كانوا جياعا أو متخمين؟! ماذا عمّا تحذّر منه الدراسات المتخصصة حين تتعرض لخطورة العادات السيئة للغذاء، ونقص الغذاء الصحي، وأثر كل ذلك على الدماغ والعضلات والنمو بشكل عام لدى الأطفال؟ إن لم يحصل التلاميذ على غذاء صحي فلن يكون لديهم الدافع أو القدرة على الانخراط في أنشطة المدرسة، أو حتى الحصص العادية، وقد يؤدي ذلك إلى خمول بدني وزيادة في الوزن، أو تشتت ذهني وذبول في حالة عدم القدرة على شراء وجبة من الأساس، هذا عدا عن التأثير السلبي على الصحة النفسية لأنهم قد يُظهرون نزعات عدوانية، وتنخفض لديهم القدرات العقلية، مما يؤثر بدوره على مستواهم الدراسي أيضا. نريد أن نحقق الرؤية؟ وهذا أمر جميل، فلنحققها من خلال تأمين صحة الأبناء حتى يصبحوا قادرين على التطور والنماء.