أسفرت مشاركة دور النشر المغاربية في الدورة الثالثة لمعرض جدة الدولي للكتاب، الذي طوى صفحته أمس، عن توضيح الصورة أكثر بين اهتمامات المشارقة، واهتمامات المغاربة في النشر، وهو ما كان متجليا طيلة أيام المعرض، إذ من النادر جداً أن تجد من بين صفوف أرفف دور النشر المغاربية إنتاجا لمؤلفين سعوديين، أو خليجيين، أو لكتاب مشرقيين. وتختلف تخصصات دور النشر المغاربية في إنتاجها المعرفي، ما بين كتب «التراث، والترجمة، والرواية، والفلسفة، والأطفال»، بالإضافة إلى الكتب العالمية التي تعبر عن الثقافات الإنسانية الأخرى.


إعمال الفكر

حددت «الوطن» من قائمة الناشرين المشاركين مواقع دور النشر المغاربية في المعرض، وعند جناح «إفريقيا الشرق للنشر والتوزيع» المغربية، التي تأسست عام 1983 والمتخصصة في كتب الفلسلفة واللغات، سألت «الوطن» المدير التجاري للدار نجيب فايتا، عن سبب عدم وجود مؤلفين من المشرق العربي عموماً أو الخليجي على وجه الخصوص؟

فايتا لم يعط في البداية إجابة محددة، إلا أنه تدارك الأمر بمجموعة من الطروحات الفلسفية، توضح سياسة النشر لديهم، قائلاً: «مع الأسف الشديد، جميع طلبات النشر التي تردنا من الخليج خاصة، هي عبارة عن روايات ولا شيء غيرها، وسياستنا لا تقوم على هذه المنتجات الأدبية إطلاقاً». يأخذ فايتا من جناحه نماذج من بعض مؤلفات الدار مشيراً إلى أنهم لا يهتمون في المغرب العربي عموماً بالروايات كؤشر أساسي في تلقي المعرفة، فعلى العكس تماماً هم مهتمون بمنتجات إعمال الفكر، والفلسفة، والتحليل، والمنهجيات النقدية الأدبية، والسياقات السياسية المختلفة. عندما سألنا فايتا هل القراء السعوديون مهتمون بما ينشرون؟ أجاب على الفور بالإيجاب، وهو ما أعطاهم فرصة لمعرفة خصائص جديدة يتمتع بها القراء في المملكة، وبخاصة من شريحة الشباب، تمحو الصورة الذهنية السابقة، عن توجهاتهم القرائية المحصورة فقط بالروايات. سلسلة عناوين معنونه باسم «يحي محمد» يمثل الكاتب المشرقي الوحيد – عراقي الجنسية- لدى جناح «إفريقيا الشرق للنشر والتوزيع» المغربية، سألناه لماذا هذا من دون العرب جمعياً، فقال: «انظروا لعناوين مؤلفاته»، ومن بينها «جدلية الخطاب والواقع»، و«الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر.. بحث استدلالي مقارن يُعنى بتحديد الموقف الشرعي للمثقف المسلم»، و«منطق فهم النصوص.. دراسة منطقية تعنى ببحث آليات فهم النص الديني وقبلياته».


الروايات الغائبة

أغلب دور النشر المغاربية لا تهتم بالروايات، كمكتبة دار الأمان، ويشير عارضها حسن الهاشمي لـ «الوطن» إلى أنهم غير مهتمين بهذا المجال، وبعض الناشرين من المنطقة المغاربية الآخرين أكدوا أن سوقها ليس رائجاً لدى أهالي تلك الخارطة، لذا من المهم إذا ما أراد المشرقيون الانفتاح على السوق المغاربي التماشي مع طبيعة التلقي والمعرفة التي يريدونها.

ربما يكون الاستثناء هنا لدى دار مسكيلياني التونسية للنشر التي تأسست في عام 2006 وتهتم كما يقول ناشرها رمزي رحومة بالأعمال الجادة في اللغة والحضارة والأدب، وبترجمة الأعمال الإبداعيّة، سألناه عن المؤلفين الخليجيين فأتى بالإنتاج الروائي الذي نشرته لهم داره كعبدالله ناجي صاحب رواية «منبوذ الجبل»، وفيصل الحييني ومجموعته القصصية «أبناء الأزمنة الأخيرة»، والروائي حسن المطوع في روايته «تُراب».

يختلف رحومه مع العديد من أهل دياره المغاربة الناشرين، في أن الرواية لها سوقها وإن كان الرواج الأكبر في الخليج والدول العربية، ويوضح أن سياستهم لا تنظر للأسماء بل للإنتاج والجودة في اللغة والكتابة.