مع قراءاتي المتعددة عن الولايات المتحدة الأميركية، كنت شخصيا -خلال الفترة الأخيرة- في قلب تجربة عملية ورؤية مباشرة لتلك الصورة التي تكونت عندي من واقع القراءة، وذلك خلال زيارة مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس، والتي تحتضن بين ربوعها جامعة هارفارد، وهي من أعرق الجامعات على مستوى العالم.
ولأن مَن رأى ليس كمَن سمع، ولأن معايشة التجربة أفضل من الوصف والقراءة عن بُعد، فقد تملكتني الدهشة مما رأيت وعايشت، عندها تذكرت بعض الأقوال المأثورة لشيوخ أجلاء من بلادنا العربية والإسلامية، الذين زاروا بلاد الغرب في بدايات القرن الماضي، حينما قال بعضهم «وجدنا في الغرب مسلمين بلا إسلام» بمعنى أن قيم الإسلام السمحة الخالدة من إتقان العمل والإخلاص والأمانة والتعاون والتواضع كلها موجودة ومطبقة في بلاد الغرب، بينما في بلادنا يقتصر تداول هذه القيم على الكلام النظري دون التطبيق العملي.
وتفاديا للإطالة، أقول إن تفوق الولايات المتحدة وقوتها في جميع المجالات يتطلب مني ومن غيري البحث عن أسباب تلك المكانة الرفيعة والقوة والتميز، خصوصا وأنت في قلب الحدث. وقفت أشاهد تصرفات سكان بوسطن الذين ينامون في وقت مبكر جدا، ويستيقظون على رياضة المشي والجري قبل الذهاب إلى العمل، وهذه الرياضة لا تمنعهم من الحضور إلى العمل في الوقت المحدد، بل تجدهم يحضرون بكل همة ونشاط قبل موعد العمل، وتجد منهم كل الإخلاص والمثابرة في العمل، كما يتعاملون مع بعضهم بعضا بكل مهنية واحترام، خصوصا مع العملاء، فالاحترام بينهم قائم على احترام النظام والقانون. ذلك هو العلم الذي تعلموه منذ الصغر، فلا فرق بين أسود ولا أبيض، ولا غني ولا فقير. لقد رأيت فيهم كل الأخلاق والقيم الإسلامية الصحيحة في العمل واحترام الإنسان. لقد رأيت تخطيطا على أعلى مستوى للمدن والمواصلات والحدائق والمباني، وكثيرا من التقدم والرقي والحضارة المميزة.
لقد وقفت حائرا ومستغربا، بل ومتسائلا: أين نحن منهم؟ وأين مخرجات الابتعاث من العلماء والمهندسين والأطباء من أبنائنا؟ ولماذا لم يجلبوا لبلدنا كل هذا الزخم من التطور؟
وبعد حوار ذاتي وعصف ذهني وجدال محتدم داخل نفسي، أيقنت أن السبب هو الجيل القيادي القديم الذي يقف حجر عثرة أمام التغيير والإصلاح، ويسير بخطى بطيئة رتيبة لا تواكب العصر الذي ينطلق بسرعة الصاروخ.
لكنني -وملايين الشباب معي- نحمد الله أن وهب هذا الوطن الغالي أميرا شابا طموحا يُحلّق بنا إلى آفاق رحبة، والى قمة العصر الحديث، بتوجيه كريم من قائد مسيرتنا المباركة خادم الحرمين الشريفين، أيده الله.
إنه أميرنا المحبوب، وليّ العهد الأمين، حفظه الله، صاحب الرؤية المستقبلية «رؤية المملكة 2030» والذي أتاح لأبناء وبنات الوطن فرص تبوُّؤ المواقع القيادية في مختلف المجالات، لنجد شبابنا يحقق الإنجازات بوتيرة أسرع وبإتقان وتميز، لتصبح بلادنا الغالية -وخلال فترة وجيزة- على موعد مع الانطلاق في ثورة علمية وعملية، ومنظومة بناء حضارية كبرى، لتكون مملكتنا الحبيبة -بإذن الله- في موقعها الريادي وفي الصف الأول من العالم الأول.
هذا هو مكاننا الطبيعي، وموقعنا المستحق بين الأمم، كما قال ذلك دايم السيف سمو الأمير خالد الفيصل. حفظه الله.