تلقيت -قبل أسابيع- رسالة من إحدى المواطنات السعوديات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» مفادها: «فضلا لا أمرا، نود منك نحن خريجي وخريجات تخصص «صفوف أولية» مناهج وطرق تدريس، الكتابة عن قضيتنا التي سببت لنا كثيرا من المعاناة في ظل مماطلة وتهميش المسؤولين لنا لأكثر من عامين».
في الحقيقة معاناة هؤلاء هو أن تخصصهم بـ«جدارة» غير معترف به تحت مسمى «صفوف أولية»، وأن العديد من المتقدمين والمتقدمات تظهر لهم رسالة تفيد أنه لا توجد وظيفة تناسب تخصصهم ودرجتهم العلمية، فقط من أدى اختبار كفايات التربية الإسلامية واللغة العربية يسمح له بتدريس المرحلة الابتدائية (تربية إسلامية، أو لغة عربية)، وهذا يتعارض مع دراستهم التخصصية، وهو ما وقف عائقا أمام توظيفهم لعدم اجتياز كثير منهم. اللافت أن أحد مسؤولي المركز الوطني للقياس صرح هذا الأسبوع في إحدى القنوات الفضائية أنه بإمكان خريجي الصفوف الأولية التقدم على الوظائف التعليمية بالاختبار العام، مشيرا إلى أنه سيتم بدءا من العام القادم فتح اختبار خاص بهم كبقية التخصصات.
السؤال: من المسؤول عن معاناة خريجي وخريجات الصفوف الأولية، هل هي وزارة التعليم أم وزارة الخدمة المدنية أم المركز الوطني للقياس؟!
عندما ننظر لتجارب الدول المتقدمة في تعليم الصفوف الأولية نجد أن ثمة اهتماما كبيرا بهذه الفئة (الصفوف الأولية)، إذ لا بد أن يكون من سيقوم بتدريس هذه المرحلة الأولية (المعلم أو المعلمة) متخصصا فيها، وبعض الدول فرضت على المعلمين والمعلمات درجات الماجستير والدكتوراه في ذات التخصص. وهنا أذكر تجربة لأفضل دول العالم في التعليم وهي فنلندا، وهي حساسة جدا في اختيار المعلمين والمعلمات، خاصة في الأول والثاني والثالث الابتدائي، فهي توجب تخصص الصفوف الأولية.
يقول أحد الزملاء الإعلاميين -المتخصص في التعليم-: «دخلنا على صف ثالث في العاصمة هلسنكي، وإذ بطالب يعرض على بوربوينت أمام زملائه في الصف وبحضور أستاذه تقييمه الشهري لنفسه الذي كان متضمنا فقرات عدة أذكر منها: طاعته لوالديه، النوم مبكرا، ترتيب غرفته، حله لواجباته، احترامه لمعلميه، تعاونه مع زملائه في المدرسة، تناول وجباته الغذائية بانتظام، مشاركته بالأنشطة المدرسية، حرصه على الممتلكات العامة والمحافظة عليها. والعجيب أن الطالب وضع لنفسه 3-5 في إحدى الفقرات، سأله المعلم: لماذا؟ فساق الطالب المبررات لفقده هاتين الدرجتين، وكان بالفعل صادقا مع نفسه ودقيقا في تقييمه.
في نهاية الفصل الدراسي يجتمع المعلم والطلاب، ويدور نقاش وحوار مفتوح حول كل طالب على حدة، ويعطى الطالب تقييما جماعيا بشكل شامل وكامل لأخلاقياته وسلوكياته في الحياة، وليس فقط لما حفظ وأتقن في المنهج الدراسي والمقررات»، في الحقيقة هذه التجربة الفنلندية لم تكن لتنجح لولا وجود معلمين ومعلمات متخصصين في هذه المرحلة العمرية، ولم يكن ليحدث ذلك لولا الإعداد الجيد للخريجين علميا ومهنيا. ويتم إعداد المعلمين في الصفوف الأولية من الكليات والجامعات، ويحصل الدارس على شهادة تعترف بها وزارة التربية والتعليم، وحتى يصبح الشخص مؤهلا للتعليم في الصفوف الأولية لا بد أن يحصل على رخصة تدريس تؤهله لممارسة المهنة، وتعد التجربة الفنلندية الأنموذج الأبرز على مستوى العالم في مستوى إعداد المعلم، خاصة في الصفوف الأولية.