ذكرت في مقال سابق لي تحت عنوان (الدور الإستراتيجي للإعلام) جملة «الإعلام أداة مهيمنة قاطعة للحدود وموجهة للرأي العام والعالمي في حال استخدم بالطريقة الصحيحة، عن طريق اتباع منهج (الإيجابية الإعلامية)، والتي تنتج عنها الصورة النمطية الإيجابية للشعوب» (stereotype)، فيما أتحدث في مقالي اليوم عن ثقافة الاستغلال السائدة في جميع المنصات والوسائل الإعلامية.

في مشهد ليس بالغريب، متمثل في مقطع فيديو عنونه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بـ(الظريف)، عن طفل

لم يتجاوز ثلاثة أعوام يقوم بتصوير سناب والتحدث بطريقة محاكية فعلا لمشاهير السوشال ميديا، ثم ينتبه الطفل لعدم وجود أمه بجانبه فيبدأ بالبكاء، ثم يكمل حديثه بعد عثوره عليها وكأن شيئاً لم يكن.

من هذا المقطع اللطيف نستنتج أن بعض الآباء والأمهات لا يمانعون أو يمنعون تعرض أطفالهم منذ نعومة أظافرهم للمحتوى الإلكتروني غير الملائم لسنهم، فالطفل في المقطع متمرس برأيي في فنون الكلام والتصوير، وبتقديري إن أقصى ما يجب أن يعرفه عن هذا التطبيق هو المرح واللعب بالفلاتر والمؤثرات التي به، تحت إشراف شخص بالغ. وفي هذا الصدد تبرز ثقافة استغلال الأطفال واغتصاب طفولتهم وامتهان الإنسانية بشكل عام.

كم اعتدنا مشاهدة برامج مسابقات الغناء والطرب للأطفال، وكم اعتدنا مشاهدتهم يبكون بحرقة عقب مقارنتهم بعدد من زملائهم ثم إقصائهم من مسابقة أحلامهم تباعاً. من وجهة نظري أن مثل هذه البرامج مخصصة (للكسب والبيع السريع)، وتسلية المشاهد بدموع الأطفال، فهي تبعد كل البعد عن مقومات البرامج الهادفة ذات المعنى السامي.

كما نتج عن نجوم السوشال ميديا فن عديم الهدف والأصالة، متمثل بتمتمة كلمات الأغاني دون صوت يعرف بـ(lip-syncing)، فأصبح الكثير من الكبار والصغار -إلا من امتاز بالعقل وهم قليل- يتقنون أصول وفن التمتمة، فيتحتم على المتمتم أن يقوم بفتح فمه بطريقة مستهجنة وأراها (مقرفة) لعدم محاكاتها لمخارج الحروف من الأساس، وتعمدهم إظهار ألسنتهم مراراً في مواطن غير صحيحة. أيضا نرى العديد من الأهالي قد تساهلوا في إظهار بناتهم ووسمهم بأمانيهم الأطلالية الضائعة، فيجعلونهن (مودلز) وراقصات على الشيلات، ثم على الأغاني، فأي جيل سينشأ بعد ذلك؟ وهل سأل الأب (ذو العقلية المتفتحة) والأم طفلهما ما إذا كانت لديه الرغبة في دخول هذا المجال والتعرض إلى السخرية والإساءة الدائمة في التعليقات وحياتهم المستقبلية بشكل عام؟

للأسف الشديد لم أجد تفسيراً منطقياً يدفع الأهالي وصانعي البرامج الترفيهية إلى أن يمتهنوا البراءة سوى الكسب المادي، فمن يجعل ابنته تتمايل وتتراقص لزيادة عدد المتابعين وبالتالي ارتفاع سعر الإعلان كمن يجعل ابنته تمتهن التسول في الشوارع، فالحالة الأولى تعد تسولا إلكترونيا والثانية تسولا تقليديا، وفي هذا استغلال للإنسان بحجة الترفيه.

إن كان هناك من يستحق عدم المتابعة فهم هؤلاء وكل من يعمل على نشر ثقافة هدامة أو ببساطة نشر ثقافة الترفيه العشوائي التي لسنا بحاجة لها.