في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمعة خطابا طيبا كان صريحا وذكيا ومتصالحا مع العالم بدلا من إدانته. وقد لقي هذا الخطاب ترحيبا كبيرا في المنتدى من قبل قادة الأعمال الأميركيين وحتى الحاضرين من غير الأميركيين، الذين يشككون بقدر كبير في ترمب بشكل عام. وإذا كان هذا الخطاب يُمثل نهجا جديدا للرئيس ترمب، فإنه سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام.

يذكر أن ترمب في أعقاب جدول الأعمال المعياري الموحّد إلى حد ما، الذي يشمل تخفيض الضرائب، ورفع الضوابط، وسياسة خارجية متشددة، استرشد بالمستشارين الرئيسيين، مثل مدير المجلس الاقتصادي الوطني جاري كوهن، ووزير الدفاع جيم ماتيس.

ومع أنني لا أتفق مع كل الأفكار التي طرحها ترمب في جدول أعماله، إلا أنه ينبغي علينا أن نشجعه. وفي الواقع إنني ما زلت أعتقد أن خفض الضرائب غير مناسب من الناحية المالية، حيث سيؤدي إلى عجز سيؤثر سلبا في الاستثمارات العامة، مما يؤدي إلى نقل الموارد الحكومية بشكل مُكثف من الفقراء إلى الأغنياء. ومما لا شك فيه أن سياسات ترمب وخطابه المشجِّع قد عزز الثقة في الأعمال التجارية، وهو ما يُشير إليه المستشار الاقتصادي السابق لأوباما لورانس سامرس، بأنه «أرخص حافز اقتصادي».

إن المزاج في المنتدى الاقتصادي العالمي غالبا ما يكون مؤشرا مثيرا للاهتمام، لأنه في حين أنه تجمّع نخبة من قادة الأعمال، فإنه يشمل أيضا الكثير من الناس الذين يمثلون منظمات غير ربحية ومؤسسات اجتماعية وسياسية ووسائط إعلامية. المنتدى هو أيضا عالمي بحق، حيث جذب إليه أناسا من جميع أنحاء العالم، وأكثر بكثير من أي مؤتمر آخر تشرفت بحضوره.

كان المزاج هذا العام في دافوس متفائلا، خاصة أن العالم يشهد نموا عالميا متزامنا، وهو أمر نادر جدا. فاقتصاد الولايات المتحدة في تحسّن، وأوروبا لديها انتعاش قوي، واليابان لديها (بشكل غير متوقع تماما) سبعة أرباع متتالية من النمو. ولا تزال الصين تسير في طريقها إلى الأمام، والهند آخذة في النهوض، وأميركا اللاتينية لديها العديد من قصص النجاح، كما هو الحال في إفريقيا.

ولكن هناك نوع من عدم ارتياح عالمي، ففي حين أن الاقتصادات العالمية تبدو مستقرة إلى حد معقول، إلا أن السياسة العالمية تبدو في حالة من الاضطراب. فالنظام العالمي القديم الذي أُنشئ بقيادة الولايات المتحدة بدأ يتآكل، ودخلت قوى عظمى جديدة في المسرح، معظمهم من غير الليبراليين، ومن أصحاب النزعة التجارية.. فمثلا كيف يبدو العالم عندما تكون الصين وروسيا وتركيا والهند أكثر وزنا في الشؤون العالمية؟

وفي هذا السياق، يصبح دور وقدرات ونوايا الولايات المتحدة ورئيسها دورا مركزيا. وإذا بدا الرئيس الأميركي وإدارته في هذا الوقت غير ملتزمين بالنظام الدولي، فهذا خطر أكبر مما كان عليه الحال في الماضي. وإذا كان الرئيس ترمب يبدو معاديا للعالم، وغير مبال بالقيم الديمقراطية، فهذا أمر خطير بشكل خاص في عالم اليوم. ولكن عندما يتصرف ترمب بشكل أفضل، كما فعل الجمعة الماضي، فالجميع سيتنفس الصعداء.

 


فريد زكريا*


*كاتب رأي

(واشنطن بوست) الأميركية